للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذه الرهبة تجعل العبد لا يخالف منهج الله .. فهو يخشى الله حينما توسوس به نفسه من شر، فيستعيذ به .. هذه هي الرهبة هي قمة أخرى من قمم الإيمان .. تجعل الإنسان يرقب نفسه في السر والعلانية، ويعلم أن ما يخفيه في السر يعلمه الله .. ويؤمن بأنه لا يستطيع أن يخدع الله ..

ولذلك فإن الذين يخشون الناس ولا يخشون الله إنما يعتقدون أنهم بخداعهم البشر هم أذكى منهم، وأنهم حصلوا على فوز كبير .. بينما هم في الحقيقة قد عموا عن أن الله سبحانه وتعالى يعلم سرهم وجهرهم.

(٢٣) الدعاء في كل الأحوال في الشدة والرخاء، وفي المنشط والمكره:

(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح الجامع) أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: من سره أن يستجيب الله له عند الشدائد و الكرب فليكثر الدعاء في الرخاء.

{تنبيه}: إن من أهم أسباب رد الدعاء على صاحبه سوء حال الداعي فالكثير منا لا يدعو الله ولا يلجأ ولا يستغيث ولا يستنصر إلا في الشدة والضراء وعند الرخاء والسرور ننسى الله ونبينا محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول

(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح الجامع) أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة.

والمعنى: من أحب أن يستجيب الله له عند الشدائد، وهي الحادثة الشاقة، والكُرَب: وهي الغم الذي يأخذ النفس، فليكثر الدعاء في حالة الصحة والفراغ والعافية، لأن من شيمة المؤمن أن يلجأ إلى الله تعالى ويكون دائم الصلة به، ويلتجئ إليه قبل الاضطرار (١). قال الله تعالى في يونس عليه الصلاة والسلام حينما دعاه فأنجاه واستجاب له: {فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ، لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} (٢).

وقد حرص السلف رضوان الله عليهم على الدعاء في سائر شؤونهم فقد كانوا يسألون الله في كل شيء حتى العلف لدوابهم والملح في الطعام "

وكثير من الناس لايدعو الله إلا في الشدائد والأزمات, وهذا مسلك خطأ والمشروع للمؤمن أن يدعو الله في السراء والضراء وإذا كان دائم الاتصال بالله أجيبت دعوته في الشدائد.


(١) انظر: تحفة الأحوذي ٩/ ٣٢٤.
(٢) سورة الصافات، الآيتان: ١٤٣، ١٤٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>