[*] قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله تعالى في كتابه ذم الهوى:
والسبب في هذا الهلاك أن الناظر أول نظرة التذ بها فكررها يطلب الالتذاذ بالنظر مستهينا بذلك فأعقبه ما استهان به التلف ولو أنه غض عند أول نظرة لسلم في باقي عمره.
ولله درُ من قال:
أنا ما بين عدوين هما قلبي وطرفي ... ينظر الطرف ويهوى القلب والمقصود حتفي.
وقال ابن الحريري.
فتبصر ولا تشم كل برق ... رب برق فيه صواعق حين.
واغضض الطرف تسترح من غرام ... تكتسي فيه ثوب ذل وشين.
فبلاء الفتى موافقة النفس ... وبدء الهوى طموح العين.
التحذير من شر النظر:
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا، أدرك ذلك لا محالة، فزنا العين النظر، وزنا اللسان المنطق، والنفس تتمنى وتشتهي، والفرج يصدق ذلك كله أو يكذبه.
[*] قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في الفتح:
قال ابن بطال: سُمِّيَ النظر والنطق زنا لأنه يدعو إلى الزنا الحقيقي ولذلك قال والفرج يصدق ذلك ويكذبه.
كم من نظرة تحلو في العاجلة، مرارتها لا تطاق في الآجلة، يا بن آدم قلبك قلب ضعيف، ورأيك في إطلاق الطرف رأي سخيف، يا طفل الهوى متى يؤنس منك رشد، عينك مطلقة في الحرام ولسانك مهمل في الآثام، وجسدك يتعب في كسب الحطام، كم نظرة محتقرة زلت بها الأقدام.
يا عجباً للمشغولين بأوطارهم، عن ذكر أخطارهم، لو تفكروا في حال صفائهم في أكدارهم، لما سلكوا طريق اغترارهم، ما يكفي في وعظهم وازدجارهم (قُلْ لّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضّواْ مِنْ أَبْصَارِهِمْ)
أين أرباب الهوى والشهوات، ذهبت والله اللذات وبقيت التبعات، وندموا إذ قدموا على ما فات، وتمنوا العودة وهيهات، فتلمح في الآثار سوء أذكارهم (قُلْ لّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضّواْ مِنْ أَبْصَارِهِمْ)
احذروا نظرة تفسد القلوب، وتجني عليكم الذم والعيوب، وتسخط مولاكم عالم الغيوب.
أخرج الحافظ أبو نعيم ٍ في حلية الأولياء عن أبي عثمان سعيد بن الحكم ـ تلميذ ذي النون ـ قال، سئل ذو النون: ما سبب الذنب؟ قال: اعقل ويحك ما تقول، فإنها من مسائل الصديقين. سبب الذنب النظرة، ومن النظرة الخطرة، فإن تداركت الخطرة بالرجوع إلى الله ذهبت، وإن لم تذكرها امتزجت بالوساوس فتتولد منها الشهوة وكل ذلك بعد باطن لم يظهر على الجوارح، فإن تذكرت الشهوة وإلا تولد منها الطلب، فإن تداركت الطلب وإلا تولد منه العقل.