للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَفَرُّجُ هَمَّ، واكتسابُ معيشةٍ ... وعلمٌ، وآداب، وصحبةٌ ماجدِ

(الفائدة الأولى): وهي انفراج الهم:

فإن الله أجرى العادة، أن الملازم لمكان واحد، وطعام واحد يسأم منه، لا سيما إذا كان في هم كثير، انتقل عن تلك الحالة أو تشاغل بغيرها، تصرّف عنه الهم على التدريج، وانبعثت روحانيته لما يروم.

قال يحيى بن عدي: إن الطبيعة تمل الشيء الواحد إذا دام عليها، ولذلك اتخذت ألوان الطعام، وأطلق التزويج بأربع نسوة (١)، ورسم التنزه والتحول من مكان إلى مكان، والإكثار (٢) من الإخوان، والتفنن في الآداب، والجمع بين الجد والهزل.

قال الحريري:

وَجدتُ بها ما يملأُ العينَ قرةً ... ويسلي عن الأوطانِ كلَّ غريب

(الفائدة الثانية): وهي اكتساب المعيشة:

فإنها لا تكون إلا بالتحرك، قال تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} [الملك:١٥]

أورد الزركشي رحمه الله في الغرر السافر فيما يحتاج إليه المسافر عن أحمد ابن أبي داؤد قال: "الاستعجال قرين الاحتياج". ومن الكلم النوابغ: "صعود الإكام (٣) وهبوط الغيطان قرين القعود بين الحيطان". ولله در السراج الوراق حيث يقول:

دع الهوينا وانتصب واكتسب ... واكدح فنفس المرء كداح

وكن عن الراحة في معزل ... فالصفع موجود مع الراحة

وقال آخر:

ليس ارتحالك في نفس الغني سفرا ... بل المقام على فقر هو السفر

من أعظم ما يتحلى به المؤمن التحلي بفضيلة التكسب والتجارة والاستغناء عن الناس، والسنة المشرفة طافحةٌ بما يحث على فضيلة التكسب وعمل الإنسان بيده ليستغني بالله تعالى عن الناس، ومن ذلك ما يلي:

(حديث أبي بردة بن نيار رضي الله عنه الثابت في صحيح الجامع) أنَّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ:

أَفْضَلُ الْكَسْبَِْ بَيْعٌ مَبْرُورٌ وَعَمَلُ الرَجُلِ بِيَدِه.


(١) قال تعالى (سورة النساء: ٣): {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ}.
(٢) في الحاشية: (والاستكثار).
(٣) جمع (أكمة) وهي: الرابية، وهو دون الجبل. والغيطان: جمع (غائط): وهو المكان المطمئن من الأرض. وقيل هو، المتسع من الأرض مع طمأنينة. انظر لسان العرب (١٢/ ٢٠، ٧/ ٣٦٤)، دار صادر.

<<  <  ج: ص:  >  >>