(وأخرج ابن النجار في تاريخه عن سفيان الثوري قال: «ما زال العلم عزيزا، حتى حمل إلى أبواب الملوك فأخذوا عليه أجرا، فنزع الله الحلاوة من قلوبهم ومنعهم العلم به».
(وأخرج البيهقي في «شعب الإيمان» عن بشر الحافي قال: «ما أقبح أن يطلب العالم، فيقال: هو بباب الأمير».
وأخرج أيضا عن الفضيل بن عياض، قال: إن آفة القراء العجب، واحذروا أبواب الملوك فإنها تزيل النعم فقيل: كيف؟ قال: الرجل يكون عليه من الله نعمة ليست له إلى خلق حاجة فإذا دخل إلى هؤلاء فرأى ما بسط لهم في الدور والخدم استصغر ما هو فيه من خير ثم تزول النعم».
(عقد الغزالي في «الإحياء» بابا في مخالطة السلاطين، وحكم غشيان مجالستهم، والدخول عليهم، قال فيه: «اعلم أن لك مع الأمراء والعمال الظلمة، ثلاثة أحوال:
الحال الأولى: وهي شرها، أن تدخل عليهم.
والثانية: وهي دونها أن يدخلوا عليك.
والثالثة: - وهي الأسلم -: أن تعتزل عنهم، ولا تراهم ولا يروك.
أما الحالة الأولى: وهي الدخول عليهم، فهي مذمومة جدا في الشرع وفيه تغليظات وتشديدات تواردت بها الأخبار والآثار فننقلها لتعرف ذم الشرع له. ثم نتعرض لما يحرم منه، وما يباح وما يكره، على، ما تقتضيه الفتوى في ظاهر العلم» ثم سرد كثيرا من الأحاديث والآثار التي سبق ذكرها. ومما أورده مما لم يسبق له ذكر:
(قال سفيان: في جهنم واد لا يسكنه إلا القراء الزوارون للملوك».
(وقال الأوزاعي: «ما شيء أبغض إلى الله من عالم يزور عاملا». وقال إسحاق: «ما أسمج بالعالم يؤتى مجلسه ولا يوجد فيسأل عنه فيقال: إنه عند الأمير. وكنت أسمع أنه يقال: إذا رأيتم العالم يزور السلطان فاتهموه على دينكم. أنا ما دخلت قط على هذا إلا وحاسبت نفسي بعد الخروج، فأرمي عليها الدرك مع ما أواجههم به من الغلظة والمخالفة لهواهم». وكان سعيد بن المسيب يتجر في الزيت ويقول: «إن في هذا لغنى عن هؤلاء السلاطين».
(وقال وهب: «هؤلاء الذين يدخلون على الملوك، لهم أضر على الأمة من المقامرين».
(وقال محمد ابن مسلمة: «الذباب على العذرة، أحسن من قارئ على باب هؤلاء»