للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فاعلم أن سببه كثرة آفات اللسان من الخطأ والكذب والغيبة والنميمة والفحش والمراء وتزكية النفس والخوض في الباطل والخصومة والفضول والتحريف والزيادة والنقصان وإيذاء الخلق وهتك العورات فهذه آفات كثيرة وهى سياقة إلى اللسان لا تثقل عليه ولها حلاوة في القلب وعليها بواعث من الطبع ومن الشيطان، فلذلك عظمت فضيلة الصمت، مع ما فيه من جمع الهم، ودوام الوقار والفراغ للفكر والذكر والعبادة، والسلامة من تبعات القول في الدنيا، ومن حسابه فى الآخرة فقد قال تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} (ق: الآية: ١٨).

ولذا كان النجاة في الصمت إلا إذا ترجحت المسألة، فلا ينبغي للمسلم أن يتكلم لغير حاجة فيكون أمره دائرٌ بين أمرين إذا تكلم غنم أو سكت سلم، لأن من كثر كلامه كثر خطؤه وأن الثرثارون أبعد الناس مجلساً من النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

(حديث عبد الله بن عمرو في صحيح الترمذي) أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: من صمت نجا.

(حديث جابر بن سمرة في صحيح الترمذي) قال كان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طويل الصمت قليل الضحك.

(حديث عائشة في صحيح مسلم) قالت كان النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُحدِّث بحديثٍ لو عدَّه العادُّ لأحصاه.

(حديث أنس في صحيح الترمذي) أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: رحم الله امرءاً تكلم فغنم أو سكت فسلم.

(حديث جابر في صحيح الترمذي) أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: إن من أحبكم إلي و أقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا و إن من أبغضكم إلي و أبعدكم مني مجلساً يوم القيامة الثرثارون و المتشدقون و المتفيهقون قالوا: يا رسول الله قد علمنا الثرثارون والمتشدقون فما المتفيهقون؟ قال: المتكبرون.

*معنى الثرثارون: كثيري الكلام

*معنى المتشدقون: الذي يتشدَّقُ على الناس في الكلام ويبذو عليهم

[*] أخرج الحافظ أبو نعيم ٍ في حلية الأولياء عن إبراهيم بن بشار قال: اجتمعنا ذات يوم في مسجد فما منا أحد إلا تكلم، إلا إبراهيم بن أدهم فإنه ساكت، فقلت: لم لا تتكلم؟ فقال: الكلام يظهر حمق الأحمق، وعقل العاقل، فقلت: لا نتكلم إذا كان هكذا الكلام، فقال: إذا اغتممت بالسكوت فتذكر سلامتك من زلل اللسان.

[*] وأخرج الحافظ أبو نعيم ٍ في حلية الأولياء عن إبراهيم ابن أدهم، قال: كان يقال ليس شيء أشد على إبليس من العالم الحليم، إن تكلم تكلم بعلم، وإن سكت سكت بحلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>