قال الله تعالى {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ} استشهاده بهذه الآية في هذا الباب ظاهر جدا فإن المراد بها من كان ميت القلب بعدم روح العلم والهدى والإيمان فأحياه الرب تعالى بروح أخرى غير الروح التي أحيا بها بدنه «وهي روح معرفته وتوحيده ومحبته وعبادته وحده لا شريك له» إذ لا حياة للروح إلا بذلك وإلا فهي في جملة الأموات ولهذا وصف الله تعالى من عدم ذلك بالموت فقال {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ} وقال تعالى {إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ} وسمى وحيه روحا لما يحصل به من حياة القلوب والأرواح فقال تعالى {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا} فأخبر أنه روح تحصل به الحياة وأنه نور تحصل به الإضاءة وقال تعالى {يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ} وقال تعالى {رَفِيعُ الدَّرَجَات ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ} فالوحي حياة الروح كما أن الروح حياة البدن ولهذا «من فقد هذه الروح فقد فَقَدَ الحياة النافعة في الدنيا والآخرة» أما في الدنيا فحياته حياة البهائم وله المعيشة الضنك وأما في الآخرة فله جهنم لا يموت فيها ولا يحيا وقد جعل الله الحياة الطيبة لأهل معرفته ومحبته وعبادته فقال تعالى {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} وقد فسرت الحياة الطيبة بالقناعة والرضا والرزق الحسن وغير ذلك والصواب: أنها حياة القلب ونعيمه وبهجته وسروره بالإيمان ومعرفة الله ومحبته والإنابة إليه والتوكل عليه فإنه لا حياة أطيب من حياة صاحبها ولا نعيم فوق نعيمه إلا نعيم الجنة كما كان بعض العارفين يقول إنه لتمر بي أوقات أقول فيها إن كان أهل الجنة في مثل هذا إنهم لفي عيش طيب، وقال غيره إنه ليمر بالقلب أوقات يرقص فيها طربا وإذا كانت حياة القلب حياة طيبة تبعته حياة الجوارح فإنه مَلِكُهَا ولهذا جعل الله المعيشة الضنك لمن أعرض عن