الذكر حياة القلوب، والغفلة مواتها، فالذكر يحي القلوب بإحياء المعاني الإيمانية، ودوام الصلة بالله، فبفضل ذكر الله يصبح القلب لينا لا قاسيا، ويكون من أصحاب القلوب الحية التي بحياتها تحيا جميع الجوارح وتستنير، ولن يكون هناك انشغال بغير الله تعالى، فذكر الله تعالى سبب للحياة الكاملة التي يتعذر معها أن يرمي صاحبها بنفسه في أتون الجحيم، أو غضب وسخط الرب العظيم، وعلى الضد من ذلك التارك للذكر، الناسي له؛ فهو ميت لا يبالي الشيطان أن يلقيه في أي مزبلة شاء.
(ونحن لا نقصد بالحياة هنا الحياة المحسوسة التي يشترك فيها الإنسان مع باقي الكائنات الحية؛ وإنما نقصد بها حياة الروح وروح الحياة، حياة القلب وقلب الحياة، نقصد الحياة التي عبر عنها الله تعالى بقوله:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا للهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ}[الأنفال /٢٤]
فهذه الحياة متحققة بالاستجابة لأمر الله ورسوله. وقد أخبر صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن "مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكره مثل الحي والميت".
(حديث أبي موسى الأشعري في الصحيحين) أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه مثل الحي والميت.
ومن مظاهر هذه الحياة اطمئنان القلب ويقينه في الله تعالى، واستكمال الآية الكريمة آنفة الذكر:{وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}. [الأنفال /٢٤]
وهذا يعني أن هناك علاقة قوية ومباشرة بين هذه الحياة والقلب؛ فحيلولة الله بين المرء وقلبه تعني موات هذا القلب وعدم انتفاعه بالموعظة.
وذكر الله عز وجل هو الطريق الرئيسي لتحقيق هذا اليقين القلبي، ومصداق ذلك قول الله عز وجل:{الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}[الرعد/٢٨]
ومن أول صفات المخبتين {الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ}[الأنفال /٢]
(وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ): إنها الارتعاشة الوجدانية التي تنتاب القلب المؤمن حين يذكر الله عز وجل في أمر أو نهي، فتتغشاه جلالة، وتنتفض مخافته ويتمثل عظمة الله ومهابته إلى جانب تقصيره هو وذنبه، فينبعث إلى العمل والطاعة".