قال تعالى:{فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ}[البقرة /١٥٢]
[*] قال الحسن البصري في معناها: "قال: فاذكروني فيما افترضت عليكم أذكركم فيما أوجبت لكم على نفسي"،
[*] وقال سعيد بن جبير: "فاذكروني بطاعتي أذكركم بمغفرتي ورحمتي".
وإذا كان الإنسان يُسَرَّ كثيراً حين يبلغه أن ملكاً من الملوك ذكره في مجلسه فأثنى عليه، فكيف يكون حاله إذا ذكره الله تعالى ملك لملوك، في ملأ خير من الملأ الذين يذكره فيهم؟
فيا له من شرف وفضل؛ أن يذكر الربُّ العظيمُ العبدَ الضعيف، أن يذكر الربُّ القويُّ العبدَ الضعيفَ، أن يذكر الربُّ الغنيُّ العبدَ الفقيرَ. إنه ذكر ما بعده ذكر؛ فاذكروني بالتذلل أذكركم بالتفضل. اذكروني بالأسحار أذكركم بالليل والنهار. اذكروني بالجهد أذكركم بالجود. اذكروني بالثناء أذكركم بالعطاء. اذكروني بالندم أذكركم بالكرم. اذكروني في دار الفناء أذكركم في دار البقاء. اذكروني في دار المحنة أذكركم في دار النعمة. اذكروني في دار الشقاء أذكركم في دار النعماء
[*] يقول يحيى بن معاذ:
"يا غفول يا جهول، لو سمعت صرير الأقلام في اللوح المحفوظ وهي تكتب اسمك عند ذكرك مولاك لمِتَّ شوقًا إلى مولاك".
ويبلغ الكرم منتهاه ويبلغ التفضل ذروته، حين يخبرنا الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقول رب العزة سبحانه وتعالى: فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي.
(حديث أبي هريرة في الصحيحين) أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: قال الله تعالى أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأٍ ذكرته في ملٍ خيرٌ منهم، وإن تقَّرب إليَّ شبرا تقربت إليه ذراعا وإن تقرب إليَّ ذراعا تقربت إليه باعا و إن أتاني مشيا أتيته هَرْوَلَةً.
(وأنا معه إذا ذكرني): وهذه المعية هي معية خاصة وهي معية الحفظ والتثبيت والتسديد كقوله سبحانه لموسى وهارون: {إنني معكما أسمع وأرى}[طه/ ٤٦]
وكقوله تعالى:(إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ)[النحل /١٢٨] فهي معية مع المتقين والمحسنين. وقوله:(وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)[البقرة /١٥٣] فهي معية مع الصابرين بحفظهم وكلاءتهم وحفظهم وتوفيقهم. وهي غير المعية العامة، التي هي معية الله تعالى مع الخلق كلهم. كما قال تعالى:(وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ)[الحديد/٤]