والذكر له فضلٌ عظيم وأجرٌ جسيم، وله فضائل لا تحصى، وثمرات لا تعد، وللذكر أهمية كبرى، وثمرات جليلة، وفضائل عظيمة، وأسرار بديعة، وهو طريق النجاة، وَسُلَّمُ الوصول، ومطلب العارفين، ومطية الصالحين، فهو نعمة عظمى ومنحة كبرى، والذكر هو المنزلة الكبرى التي منها يتزود العارفون، وفيها يتجرون وإليها دائمًا يترددون، وهو قوت قلوب العارفين التي متى فارقتها صارت الأجساد لها قبورًا، وعمارة ديارهم التي إذا تعطلت عنه صارت بورًا، وهو سلاحهم الذي يقاتلون به قطاع الطريق، وماؤهم الذي يطفئون به التهاب الطريق ودواء أسقامهم الذي متى فارقهم انتكست منهم القلوب، والسبب الواصل والعلاقة التي كانت بينهم وبين علام الغيوب، به يستدفعون الآفات ويستكشفون الكربات وتهون عليهم به المصيبات، إذا أظلَّهم البلاء فإليه ملجؤهم، وإذا نزلت بهم النوازل فإليه مفزعهم، فهو رياض جنتهم التي فيها يتقلبون، ورؤوس أموال سعادتهم التي بها يتجرون، يدع القلب الحزين ضاحكًا مسرورًا، ويوصل الذاكر إلى المذكور، بل يدع الذاكر مذكورًا، وفي كل جارحة من الجوارح عبودية مؤقتة (والذكر) عبودية القلب واللسان وهي غير مؤقتة، بل هم يؤمرون بذكر معبودهم ومحبوبهم في كل حال، قيامًا وقعودًا وعلى جنوبهم، فكما أن الجنة قيعان وهو غراسها، فكذلك القلوب بور خراب وهو عمارتها وأساسها، وهو جلاء القلوب وصقالتها ودواؤها إذا غشيها اعتلالها، وكلما ازداد الذاكر في ذكره استغراقًا ازداد محبة إلى لقائه للمذكور واشتياقًا، وإذا واطأ في ذكره قلبه للسانه نسى في جنب ذكره كل شيء، وحفظ الله عليه كل شيء، وكان له عوضًا من كل شيء، وبالذكر يزول الوقر عن الأسماع، والبكم عن الألسن، وتنقشع الظلمة عن الأبصار، زيَّن الله به ألسنة الذاكرين، كما زين بالنور أبصار الناظرين؛ فاللسان الغافل كالعين العمياء، والأذن الصماء، واليد الشلاء، والذكر هو باب الله الأعظم المفتوح بينه وبين عبده، ما لم يغلقه العبد بغفلته.
[*] قال ابن القيم رحمه الله:
سمعت شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه يقول: الذكر للقلب مثل الماء للسمك، فكيف يكون حال السمك إذا فارق الماء؟!
والإنسان مهما قوي فهو ضعيف، ومهما علم فعلمه قاصر، وحاجته إلى ربه أشد من حاجته إلى الماء والهواء،