للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وقال أيضاً متحدثاً عن أضرار العشق: قالوا: وكم أكبَّت فتنة العشق رؤوساً على مناخرها في الجحيم، وأسلمتهم إلى مقاساة العذاب الأليم، وجرعتهم بين أطباق النار كؤوس الحميم، وكم أخرجت من شاء الله من العلم والدين كخروج الشعرة من العجين، وكم أزالت من نعمة، وأحلَّت من نقمة، وكم أنزلت من معْقل عزِّهِ عزيزاً فإذا هو في الأذلين، ووضعت من شريف رفيع القدر والمنصب فإذا هو في أسفل سافلين، وكم كشفت من عورة، وأحدثت من روعة، وأعقبت من ألم، وأحلت من ندم، وكم أضرمت من نار حسرات أحرقت فيها الأكباد، وأذهبت قدراً كان للعبد عند الله وفي قلوب العباد، وكم جلبت من جهد البلاء، ودرك الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء؛ فقلَّ أن يفارقها زوال نعمة، أو فجاءة نقمة، أو تحويل عافية، أو طُروق بلية، أو حدوث رزية؛ فلو سألت النِّعَم ما الذي أزالك؟ والنِّقم ما الذي أدالك؟ والهمومَ والأحزان ما الذي جلبك؟ والعافية ما الذي أبعدك وجنَّبك؟ والستر ما الذي كشفك؟ والوجه ما الذي أذهب نورك وكسفك؟ والحياة ما الذي كدَّرك؟ وشمس الإيمان ما الذي كوَّرك؟ وعزة النفس ما الذي أذلَّك؟ وبالهوان بعد الأكرام بدَّلك _ لأجابتك بلسان الحال اعتباراً إن لم تجب بالمقال حواراً.

هذه والله بعض جنايات العشق على أصحابه لو كانوا يعقلون، فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا إن في ذلك لآية لقوم يعقلون (١).

(ومن الأضرار الناجمة عن العشق الظلم؛ فإن الظلم في هذا الباب من أعظم أنواع الظلم، وربما كان أعظم ضرراً على المعشوق وأهله من ظلمه في ماله؛ فإنه يعرض المعشوق بهتكه في عشقه إلى وقوع الناس فيه، وانقسامهم إلى مصدق ومكذب، وأكثر الناس يصدق في هذا الباب بأدنى شبهة، وإذا قيل: فلان فعل بفلان أو فلانة كذَّبه واحد، وصدقه تسعمائة وتسعة وتسعون (٢).

ومن أنواع الظلم في هذا الباب أيضاً: أن في إظهار المبتلى عشقَ من لا يحل له الاتصال به من ظلمه وأذاه ما هو عدوان عليه وعلى أهله، وتعريض لتصديق كثير من الناس ظنونهم فيه.


(١) روضة المحبين ص ٢٠٢.
(٢) الجواب الكافي ص ٥٠٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>