[*] (قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الآية السابقة، آية الزمر: المقصود بها النهي عن القنوط من رحمة الله تعالى وإن عظمت الذنوب وكثرت، فلا يحل لأحد أن يَقْنَط من رحمة الله، ولا أن يُقَنِّط الناس من رحمته؛ لذا قال بعض السلف: وإن الفقيه كل الفقيه الذي لا يؤيّس الناس من رحمة الله، ولا يجرؤهم على معاصي الله.
والقنوط يكون بأن يعتقد أن الله لا يغفر له إما لكونه إذا تاب لا يقبل توبته ويغفر ذنوبه، وإما بأن يقول: نفسه لا تطاوعه على التوبة بل هو مغلوب معها، والشيطان قد استحوذ عليه؛ فهو ييأس من توبة نفسه وإن كان يعلم أنه إذا تاب غفر الله له، وهذا يغري كثيراً من الناس (١).
(٤) أن الله يبسط يده بالليل؛ ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار؛ ليتوب مسيء الليل: وتأمل في الحديث الآتي بعين البصيرة وأمْعِنِ النظر فيه واجعل له من سمعك مسمعا وفي قلبك موقِعاً عسى الله أن ينفعك بما فيه من غرر الفوائد، ودرر الفرائد.
(حديث أبي موسى رضي الله عنه الثابت في صحيح مسلم) أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: إن الله عز وجل يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها.
[*] قال الإمام النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم:
هذه الأحاديث ظاهرة في الدلالة لها، وأنه لو تكرر الذنب مائة مرة أو ألف مرة أو أكثر وتاب في كل مرة قبلت توبته وسقطت ذنوبه، ولو تاب عن الجميع توبة واحدة بعد جميعها صحت توبته.
[*] قال الإمام المناوي رحمه الله تعالى في فيض القدير:
(إن اللّه تعالى يبسط يده بالليل) أي فيه
(ليتوب مسيء النهار) مما اجترح فيه وهو إشارة إلى بسط يد الفضل والإنعام لا إلى الجارحة التي هي من لوازم الأجسام فالبسط في حقه عبارة عن التوسع في الجود والتنزه عن المنع عند اقتضاء الحكمة
(ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل) يعني يقبل التوبة من العصاة ليلاً ونهاراً أي وقت كان فبسط اليد عبارة عن قبول التوبة ومن قبل توبته فداه بأهل الأديان يوم القيامة كما مر ويجيء في خبر وفيه تنبيه على سعة رحمة اللّه وكثرة تجاوزه عن المذنبين ولا يزال كذلك
(١) التوبة والاستغفار لابن تيمية تحقيق محمد الحجاجي وعبد الله بدران ص ٢٧_٢٨ وانظر الاستقامة لابن تيمية ٢/ ١٩٠.