بَعْدَ أَنْ أَمَرَ اللهَ تَعَالى عِبَادَهَ بالإِيمانِ بِهِ وَبِتَصْدِيقِ رَسُولِهِ، وبما جاءَ بِهِ مِنْ كِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللهِ، والاستِقَامَةِ عَلَى الإِيمانِ، حَثَّ النَّاسَ عَلَى الإِحسَانِ إِلى الوَالِدَينِ فأَخبَرَ تَعَالَى: أَنَّهُ أَمَرَ الإِنسَانَ بالإِحسَانِ إِلى وَالديْهِ، وَبِالحُنُوِّ عَلَيهِما، وَجَعَلَ برَّهُما مِنْ أَفْضَلِ القُرُبَاتِ إِلى اللهِ، وَجَعَلَ عُقُوقَهُما مِنَ كَبَائِرِ الذُّنوبِ، ثُمَّ بَيَّنَ تَعَالى سَبَبَ تَوصِيَتِهِ الإِنسَانَ بِبِرِّ وَالدَيهِ، فَقَالَ: إِنَّ أُمَّهُ قَاسَتْ في حَمْلِهِ مَشَقَّةً وَتَعَباً، وَقَاسَتْ في وَضعِهِ مَشَقَّةً وأَلماً، وَكُلُّ ذَلِكَ يَسْتَدعي مِنَ الإِنسانِ الشكرَ، واستِحقَاقَ التَّكريمِ، وَجَميلَ الصُّحْبَةِ. وَمُدَّةُ حَمْلِ الطّفْلِ، وفِطَامِهِ، ثَلاثُونَ شَهْراً تَتَحَمَّلُ فِيها الأٌمُ أَعْظَمَ المَشَاقِّ. حَتَّى إِذَا بَلَغَ الطّفْلُ كَمَالَ قُوَّتِهِ وَعَقْلِهِ، وَبَلَغَ أَربَعِينَ سَنَةً مِنْ عُمْرِهِ قَالَ: رَبِّ أَلْهِمْنِي وَوَفِّقْنِي إِلى شُكْرِ نِعْمَتِكَ التِي أَنْعَمْتَ بِها عَلَيَّ، وَعَلَى وَالِدَيَّّ، مِنْ صِحَّةِ جِسْمٍ، وَسَعَةِ عَيْشٍ، واجْعْلَنْي أَعْمَل عَمَلاً صَالِحا يُرضِيكَ عَنِّي لأَنَالَ مَثُوبَتَهُ عِنْدَكَ، وَاجَعْلِ اللهُمَّ الصَّلاَحَ سَارِياً في ذُرِّيَّتِي، إِني تُبتُ إِليكَ مِنْ ذُنُوبِي التِي صَدَرتَ عَنِّي فِيما سَلَفَ مِنْ أَيَّامِي، وَإِنِّي مِنَ المُستَسلِمِينَ لأَمرِكَ وَقَضَائِكَ.
وَهؤلاءِ المُتَّصِفُونَ بِالصِّفَاتِ السَّابِقَةِ (التَّائِبُونَ إِلى اللهِ، المُنِيبُونَ إِليهِ، المُسْتَدْرِكُونَ مَا فَاتَ بِالتُّوْبَةِ والاسْتِغْفَارِ. .) هُمُ الذِينَ يَتَقَبَّلُ اللهُ تَعَالى مِنْهُمْ أحسَنَ مَا عَمِلُوهُ في الدُّنيا، وَيَصْفَحُ عَنْ سَيِّئاتهِمْ فَيَغْفِرُ لَهُمُ الكَثيرَ مِنَ الزَّلَلِ الذِي صَدَرَ مِنْهُم فِي حِيَاتِهم الدُّنيا، ولمْ يَتَرسَّخْ فِعْلُهُ في نُفُوسِهِم، وَيَقْبَلُ القَليلَ مِنَ العَمَلِ. وَهُمْ في عِدادِ أَهْلِ الجَنَّةِ تَحقيقاً للوَعْدِ الصِّدْقِ الذِي وَعَدَهُمْ بِهِ رَبُّهم فِي الدُّنيا، وَلا يُخْلِفُ اللهُ وَعْدَهُ أَبداً.
(وَرُوِيَ أَنَّ هذهِ الآيةَ نَزَلَتْ في سَعْدِ بنِ أَبي وَقَّاصٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute