عن الشرك ترجيحا لجانب الحق واختيارا لما دله عليه دهاؤه من سبيل الخير، فجاء مزيفو الأخبار من مجوس هذه الأمة وضحاياهم من البلهاء فاستغلوا ما اشتهر به عمرو من الدهاء استغلالا تقر به عين عبد الله بن سبأ في طبقات الجحيم.
يقول قاضي قضاه إشبيلية بالأندلس الإمام أبو بكر محمد بن عبد الله بن العربي المعافري (المولود في أشبيلية سنة ٤٦٨ والمتوفى بالمغرب سنة ٥٤٣) في كتابه (العواصم من القواصم) ص ١٧٧ بعد أن ذكر ما شاع بين الناس في مسألة تحكيم عمرو وأبي موسى، وما زعموه من أن أبا موسى كان أبله وأن عمرا كان محتالا: «هذا كله كذب صراح، ما جرى منه حرف قط، وإنما هو شيء أخبر عنه المبتدعة، ووضعته التاريخية للملوك، فتوارثه أهل المجانة والجهارة بمعاص الله والبدع، وإنما الذي روى الأئمة الثقات الأثبات أنهما - يعني عمرا وأبا موسى - لما اجتمعوا للنظر في الأمر، في عصبة كريمة من الناس منهم ابن عمر، عزل عمرو معاوية. ذكر الدارقطني بسنده عن حضين بن المنذر أنه لما عزل عمرو معاوية جاء (أي حضين) فضرب فسطاطه قريبا من فسطاط معاوية، فبلغ نبأه معاوية فأرسل إليه فقال: إنه بلغني عن هذا (يعني عمرو بن العاص) كذا وكذا (يعني اتفاقه مع أبي موسى على عزل الأميرين المتنازعين حقنا لدماء المسلمين وردا للأمر إليهم يختارون من يكون به صلاح أمرهم). فاذهب فانظر ما هذا الذي بلغني عنه - فقال حضين -: فأتيته فقلت: أخبرني عن الأمر الذي وليت أنت وأبو موسى كيف صنعتما فيه؟ قال: قد قال الناس في ذلك ما قالوا، والله ما كان الأمر على ما قالوا، ولقد قلت لأبي موسى: ما ترى في هذا الأمر؟ قال: أرى أنه في النفر الذي توفى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو عنهم راض. قلت: فأين تجعلني أنا ومعاوية؟ فقال: إن يستعن بكما ففيكما معونة، وإن يستعن عنكما فطالما استغنى أمر الله عنكما. قالت: فكانت هي التي قتل معاوية منها نفسه. فأتيته (أي أن حضينا أتى معاوية) فأخبرته أن الذي بلغه عنه كما بلغه. أي أن الذي بلغ معاوية من أن عمرا وأبا موسى عزلاه هو كما بلغه، وأنهما رأيا أن يرجع في الاختيار من جديد إلى النفر الذي توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو عنهم راض. ثم ذكر القاضي أبو بكر بن العربي