بالآخرة، وكلّ ما يذكّر بها، وليس هو مراعاةَ القواعد الصِّحّيّة كما يزعمون! ولو كان ذلك صحيحاً؛ لبادروا إِلى مُحاربة الأسباب التي لا يشكُّ عاقل في ضررها، مثل بيع الخمور وشربها، والفسق والفجور؛ على اختلاف أشكاله وأسمائه، فعدم اهتمامهم بالقضاء على هذه المفاسد الظاهرة، وسعيُهم إِلى إِزالة كلّ ما يُذكّر بالآخرة وإِبعادها عن أعينهم: أكبر دليل على أنّ القصد خلاف ما يزعمون ويعلنون، وما تُكنّه صدورهم أكبر.
الثاني: أنه لا حرمة لعظام غير المؤمنين؛ لإِضافة العظم إِلى المؤمن في قوله:"عظم المؤمن"، فأفاد أنّ عظم الكافر ليس كذلك، وقد أشار إِلى هذا المعنى الحافظ في "الفتح" بقوله: "يُستفاد منه أنّ حرمة المؤمن بعد موته باقية كما كانت في حياته".
ومن ذلك يُعرف الجواب عن السؤال الذي يتردّد على ألسنة كثيرٍ من الطُّلاّب في كلّيّات الطب، وهو: هل يجوز كسر العظام لفحصها وإِجراء التحرّيات الطبية فيها؟
والجواب: لا يجوز ذلك في عظام المؤمن، ويجوز في غيرها. ويؤيده ما يأتي في المسألة التالية:
يجوز نبش قُبور الكفار؛ لأنّه لا حرمة لها؛ كما دلَّ عليه مفهوم الحديث السابق، ويشهد له حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: "قدم النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المدينة، فنزل أعلى المدينة في حيّ -يقال لهم: بنو عمرو بن عوف- فأقام النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيهم أربع عشرة ليلة، ثمّ أَرسل إِلى بني النجّار، فجاءوا متقلّدي السيوف، كأنّي أنظر إِلى النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على راحلته وأبو بكر رِدْفَهُ وملأُ بني النجار