{وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ} إذا تأملت التركيب وتذوقت مواقع الحروف وحركاتها في حسّ السمع، وتأمل مواضع القلقلة في دال {لَقَدِْ} وفي الطاء من {بَطْشَتَنَا} هذه الفتحات المتوالية فيما وراء الطاء إلى واو {تَمَارَوْا} مع الفصل بالمد كأنها تثقيل لخفة التتابع في الفتحات، إذا هي جزّت على اللسان ليكون ثقل الضمة عليه مستخفّا بعد، ولكون هذه الضمة قد أصابت موضعها كما تكون الأحماض في الأطعمة، ثم ردد نظرك في الراء من {تَمَارَوْا} فإنها ما جاءت إلا مساندة لراء "النذر"، حتى إذا انتهى اللسان إلى هذه انتهى إليها من مثلها، فلا تنبو فيه، ثم تتعجب لهذه الغنة التي سبقت الطاء في نون:{أَنْذَرَهُمْ} وفي ميمها: {أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا} وللغنة الأخرى التي سبقت الذال في {النُّذُرِ}.
هكذا بين الرافعي بعد كلامه عن الحركات دور كلمة "النذر" عندما جاءت في قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ} هذا مثالٌ أعطاه على موضوع الحركات. ننطلق منه لكلامنا العام عن هذه النقطة وهي "النسق الصوتي في القرآن والأمثلة التي تذكر له".
مظاهر النسق الصوتي في القرآن الكريم، والأمثلة التي تذكر له
أولًا: تجد في القرآن كلمات -كما يقال- طويلة؛ طويلة أي عدد حروفها كثير، كقوله تعالى:{فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّه}(البقرة: ١٣٧) وكقوله تعالى: {لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم}(النور: ٥٥) وقوله تعالى: {أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ}(هود: ٢٨) و {زَوَّجْنَاكَهَا}(الأحزاب: ٣٧) إلى غير ذلك مما هو في