العرب، فقد وقع في أجود نثرها وشعرها عيوب تقلل من سلاسة التركيب ولا يمكن معها إجادة الترتيل، فكان القرآن شاملًا على كل عظيم في الفنين أو في النوعين النثر والشعر، فكان له من النثر جلاله وروعته ومن الشعر جماله ومتعته.
هذا أثر الحركات التي تؤدي إلى ما سماه الشيخ دراز "الجمال التوقيعي في ألفاظ القرآن الكريم".
طبعًا الحركات وأثرها يبين لك بصورة واضحة في النقطة التالية التي نتحدث عنها:
إن هذه الحركات تؤدي لما يسمى بـ "النسق الصوتي" وهذا هو خلاصة ما تحدثنا فيه في درسنا الماضي وفي درسنا هذا؛ أن هذا التعاون والتكاتف بين الحروف، ما بين شكلها وما بين تلاؤمها وما بين أثرها وما بين تماثلها وحركاتها ... إلى غير ذلك مما تحدثنا عنه، ينتج بنا في النهاية إلى موضع الكلام وهو "النسق الصوتي" أو ما يسميه بعض أهل العلم "الجرس القرآني" أي صوت القرآن، هذا النسق الذي تراه بيّنا رائعًا في كلمات القران وفي اختيارها، وهذا الذي اهتم العلماء ببيانه.
نرجع إلى أول لفظة وقف معها الرافعي وهي كلمة "النذر" في قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ}(القمر: ٣٦) هذه الكلمة انظر إلى حركاتها؛ فإن الضمة ثقيلة لتواليها على النون والذال معًا "نذُر" فضلًا عن جزأت هذا الحرف ونبوه في اللسان، وخاصة إذا جاء فاصلة للكلام، فكل ذلك مما يكشف عنه ويُفسح عن موضع الثقل فيه، لكنه جاء في القرآن على العكس، وانتفى من طبيعته، يقصد أن هذا اللفظ نفسه لو نظرت إليه في قوله تعالى:{وَلَقَدْ جَاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ}(القمر: ٤١) تجده ليس فيه الثقل الظاهر بهذا الوضع لما سبقه من حروف، أما في هذه الآية تجد جمالًا شديدًا باستخدامها