للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال عن النجاة من العدو الثاني: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [فصلت: ٣٦] (١) وما أحسن ما قاله القائل.

فما هو إلا الاستعاذة ضارعا ... أو الدفع بالحسنى هما خير مطلوب

فهذا دواء الداء من شر ما يرى ... وذاك دواء الداء من شر محجوب (٢)

فينبغي للداعية: أن يدفع السيئة بالحسنة، ويحسن إلى من أساء إليه، ويعفو عمن ظلمه، ويعطي من حرمه، ويبش في وجه من قل أدبه، حتى يحصل على الثواب العظيم، وينجو من شر أهل الشر، ويجذب قلوب العقلاء إلى دعوته، والله المستعان (٣).

الحادي عشر: أهمية إعراض الداعية عن الجاهلين: الإعراض عن الجاهلين صفة من صفات الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام، ولهذا أعرض النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن هذا الأعرابي امتثالا لأمر الله عزَّ وجلَّ حيث قال عزَّ وجلَّ: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف: ١٩٩] (٤) وقد مدح الله من فعل ذلك فقال: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا} [الفرقان: ٦٣] (٥) ومما يدل على التزام الصحابة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم بهذا الخلق العظيم، ما ثبت عن ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما قال: «قدم عيينة بن حصن بن حذيفة فنزل على ابن أخيه الحر بن قيس، وكان من النفر الذين يدنيهم عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وكان القراء أصحاب مجالس عمر ومشاورته، كهولا كانوا أو شيبا، فقال عيينة لابن أخيه:

يا ابن أخي، لك وجه عند هذا الأمير فاستأذن لي عليه، قال: سأستأذن لك عليه، قال ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما: فاستأذن الحر لعيينة، فأذن له عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فلما دخل عليه قال: هي يا ابن الخطاب، فوالله ما تعطينا الجزل، ولا تحكم بيننا


(١) سورة فصلت، الآية ٣٦.
(٢) انظر: زاد المعاد لابن القيم، ٢/ ٤٦٢، وأضواء البيان للشنقيطي، ٢/ ٣٤١ - ٣٤٢.
(٣) انظر: إكمال إكمال المعلم للأبي ٣/ ٥٣٨.
(٤) سورة الأعراف الآية ١٩٩.
(٥) سورة الفرقان الآية ٦٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>