للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالعدل، فغضب عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حتى هم به، فقال له الحر: يا أمير المؤمنين إن الله تعالى قال لنبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف: ١٩٩] وإن هذا من الجاهلين، والله ما جاوزها عمر حين تلاها عليه، وكان وقافا عند كتاب الله» (١) وهذا يؤكد للدعاة إلى الله عزَّ وجلَّ أهمية الإعراض عن الجاهلين.

الثاني عشر: من وسائل الدعوة: القدوة الحسنة: الداعية الصادق مع الله عزَّ وجلَّ: هو الذي يقتدي برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويكون قدوة لغيره، وقد دل هذا الحديث على هذه الوسيلة الجميلة؛ ولهذا ذكر الحافظ ابن حجر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ في فوائد هذا الحديث: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صبر على الأذى، وتجاوز على جفاء من يريد تألفه للإسلام؛ ليتأسى به الولاة بعده في خلقه الجميل (٢) فينبغي للداعية أن يكون كذلك، والله المستعان (٣).

الثالث عشر: من أصناف المدعوين: الأعراب: ظهر في هذا الحديث أن من أصناف المدعوين الأعراب؛ ولهذا حلم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على هذا الأعرابي الذي جبذه بردائه، وتألفه بالعفو، والعطاء، فدل ذلك على أن الأعراب من أصناف المدعوين الذين ينبغي أن يدعوا إلى الله عزَّ وجلَّ على حسب عقولهم، والأعراب لهم جفاء، وشدة، وقسوة، ومن كان منهم من أهل الكفر كان أشد من غيره في الإعراض، قال الله عزَّ وجلَّ: {الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ - وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ - وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [التوبة: ٩٧ - ٩٩] سورة التوبة الآيات ٩٧ - ٩٩.، ولا شك أن من سكن البادية يغلب عليه الجفاء في الغالب والغلظة، وقد يكون بعض أهل البادية على غير ذلك، ولكن هذا هو الأغلب، فعن


(١) البخاري، كتاب تفسير سورة الأعراف، باب خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ٥/ ٢٣٥، برقم ٤٦٤٢.
(٢) انظر: فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ١٠/ ٥٠٦.
(٣) انظر: الحديث رقم ٣، الدرس الثالث، ورقم ٨، الدرس الخامس، ورقم ٩، الدرس الثالث عشر.

<<  <  ج: ص:  >  >>