للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

تقرر في علم الأصول والحديث أن قول التابعي لا يكون في حكم المرسل إلا بالشروط التي تجعل قول الصحابي في حكم المرفوع، وهي أن لا يكون للاجتهاد فيه مجال، وألا يكون معروفا بالأخذ عن الإسرائيليات، وكعب هو الذي أشاد بذكر الإسرائيليات وأكثر من النقل عنها حتى اشتبه حالُها على كثير من الرواة فأدخلوها في المرفوع وهما وغلطا، ووقع من ذلك في صحيح مسلم، وفي ذلك من عظيم الضرر ما لا يخفى على ذي لب». اه.

أقول: لا شك أن السيد عبد الله كتب هذا وهو فاقد لكل ما أُوتِيَه من رُشد وصواب لسبب سأذكره في الآخر، فإن الموضوع مشرق وكلامه مُغرّب، شتان بين مشرق ومغرب. فالحافظ السيوطي لم يَقُل في أثَرِ كعب إنه مرسل ولا أورده على أنه من قبيل المرفوع ولا في كلامه ما يشير إلى ذلك أصلا حتى ينتقد هذا الانتقاد الملصق به بدون أية علاقة ولا مناسبة، بل الرجل قال قبل هذا (١): «وعضده أحاديث أخرى مرفوعة وموقوفة وفتوى جماعة من الصحابة والتابعين بمقتضاه … » ثم صار يَذكُر المعضداتِ، وأتى بهذا من جملتها على أنه أثر موقوف على كعب، واحْسِبه أنت كما تريد، فهو لا دخل له في أصله و لم يقل عنه شيئا لا مرفوعا ولا موقوفا له حكم الرفع ولا مرسلا ولا موصولا؛ فَمِن أين ألصق به هذا الانتقاد الغريب؟ وكيف يُقال في أثر قبل هذا وأثر الضحاك الذي بعده (٢): «لا معنى لإيرادهما» وأصلُهما دائر بين أمرين: إما أن يكون عن النبي ، أو يكون عن الإسرائيليات، وكلّ منهما مقبول معمول به في مثل هذا الباب، لأنه من باب الوعظ والتذكير والتحذير والتنفير، ومن باب الإخبار بشيء صدقه الواقع وشهدت بصحته المشاهدة؟ فكيف يقال: لا معنى لإيراده، وقد جرى عمل الأئمة من عصر عمر بن الخطاب إلى عصرنا بالاحتجاج بالإسرائيليات واعتبارها في هذا الباب؟ وقد كان عمر يقول له: خوفنا يا كعب؛ والإمام مالك يوردها في «موطئه»، وكذا سائر الأئمة في عصره وبعده من الزهاد والعباد والأولياء والصالحين والعلماء والمحدثين.


(١) «إعلام الأريب» ص ٣٠ - ٣١.
(٢) وهو ما أخرجه عبد الرزاق في «مصنفه» ٢/ ٤١٢ عن الضحاك بن مزاحم قال: أول شرك كان في هذه الصلاة هذه المحاريب.

<<  <   >  >>