للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مالُه، ولو كانَ مفسِدًا لدينِهِ (١)، كمَن تركَ الصلاةَ، ومنعَ الزكاةَ، ونحوَ ذلكَ. ويستحبُّ التجارةُ بمالِ اليتيمِ (٢)؛ لقولِ عمرَ وغيرِه: "اتَّجِرُوا في أَمْوالِ اليتَامَى؛ لئَلَّا تأكلَها الصدَقةُ" (٣).

تنبيهٌ: لا يُدفعُ إلى محجورٍ عليهِ لحظِّ نفسِه مالُه، ممَّن وُجدَت شروطُه، إلا بعدَ اختبارِه، بامتحانِه بما يليقُ به، ويُعلمُ رشدُه (٤). فإنْ كانَ من أولادِ التجارِ؛ بأَن يتكررَ منهُ البيعُ والشراءُ، فلا يُغبَنُ - غالبًا - غبنًا فاحشًا، ويحفظَ ما بيدِه من صرفِه فيما لا ينبغِي. وإن كانَ من أولادِ المزارعِ؛ بما يتعلقُ بالزراعة، والقيامِ علَى العمال، ونحوِ ذلكَ. وإن كانَ مِن أولادِ أهلِ الحِرَفِ؛ بما يتعلقُ بحرفتِه. ويختبرُ ابنُ الريِّس، والصدرِ الكبير، وابنِ الكاتبِ - الذينَ يُصانُ أمثالُهم عنِ الأسواقِ - بدفعِ النفقةِ إليه مدةً، فإن صرفَها في مصارفِها ومواقعِها، واستوفَى على وكيلِه فِيما وُكِّلَ فيه، واستقصَى عليه، دلَّ ذلكَ على رشدِه، فيُعطَى مالَه. قالَ شيخُ الإِسلامِ ابنُ تيميةَ: "وإنْ نُوزع في الرشد، فشهدَ شاهدَان، قُبِلَ؛ لأنهُ قد يعلَمُ بالاستفاضةِ. ومع عدمِها لهُ اليمينُ عَلى وليّه أنه لا يَعلمُ رشدَه" (٥).

وتختبرُ الأنثَى بدفعِ كَتَّانٍ، أو قطنٍ؛ لغزلِه، وشراءِ ذلكَ، وبحفظِ الأطعمةِ من الهرِّ، وغيرِه. فإن وُجدَ ذلكَ فهي رشيدةٌ. ووقتُ اختبارِ الصغيرِ قبلَ البلوغِ (٦)؛ لقولِه تعالى: ﴿وَابْتَلُوا الْيَتَامَى﴾ (النساء: ٦) فبتسمِيَتِهم يتامَى دلَّ على أنهُ قبلَ البلوغ، ومَدَّ اختبارَهم إلى البلوغِ بلفظَ "حتَّى"، فدلَّ على أنه قبلَه، ولأن تأخيرَه إلى البلوغِ يفضِي


(١) انظر: المستوعب ٢/ ٢٧٠، المبدع ٤/ ٣٣٤، غاية المنتهى ٢/ ١٣٩.
(٢) انظر: المغني ٦/ ٣٣٨، الأخبار العلمية من الاختيارات الفقهية ٢٠٣، الإقناع ٢/ ٤٠٨.
(٣) أخرجه مالك في الموطأ بلاغًا (٥٨٨) ٢٥١، وأخرجه ابن أبي شيبة من حديث الزهريّ (١٠١١٧)، ومن حديث مكحول عن عمر (١٠١١٩) ٢/ ٣٧٩، وأخرجه الدارقطني في سننه من حديث سعيد بن المسيَّب (٤) من باب وجوب الزكاة في مال الصبي واليتيم. ٢/ ١١٠، وكذا البيهقي (٧٥٩٠) ٤/ ١٠٧، وصححه، واستدرك بالاختلاف في سماع سعيد من عمرَ . وله متابعات أخرى عن عمر عند عبد الرزاق ٤/ ٦٨، والدارقطني ٢/ ١١١. وهو مروي عن جمع من الصحابة، منهم: علي بن أبي طالب، وجابر بن عبد الله، وعائشة. انظر: البدر المنير ٥/ ٤٧٠.
(٤) انظر: المستوعب ٢/ ٢٧٠، الكافي ٢/ ١٩٥، الشرح الكبير ٤/ ٥١٦، الإنصاف ٥/ ٣٢٢.
(٥) انظره في: الأخبار العلمية من الاختيارات الفقهية ٢٠٢.
(٦) قدمه في المقنع ١٨٩، وصححه في المبدع ٤/ ٣٣٥، وجزم به في المنتهى ١/ ٣١١.

<<  <  ج: ص:  >  >>