للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقوله:

والعضو ليس نافعًا في حال ... لسائر الجسم من الخبل

يقول: العضو إذا لم ينتفع به سائر الجسم فهو معدود من الخبال؛ أي يخبل الشخص الذي هو فيه. والخبال يوصف به الفاسد والمضطرب والمتغير العقل وغير ذلك من الأشياء المشاكلة هذه الأجناس. والعضو مبتدأ وخبره: من الخبال. والمعنى: أن اليد والرجل إذا لم ينتفع بها سائر الجسد فهي خبال له أي فساد. وبعض الناس يقول: إن قولهم: سائر كذا ينبغي أن يكون قد تقدمه شيء منه مثلما تقول: جاءني أخوك دون سائر أهلك, فالأخ بعض الأهل, قال الشنفرى: [الطويل]

إذا حملت رأسي وفي الرأس أكثري ... وغودر عند الملتقى ثم سائري

لما كان رأسه بعض جسده جاز أن يكون سائر بعده, ولا يحسن أن يقال أكلت اللحم دون سائر العنب, وإنما حملهم على هذا القول أنهم يرون سائر الشيء بناءً على فاعلٍ من السؤر أي البقية. يقال: أسأر في الإناء إذا ترك فيه شيئًا قليلًا, وهذا القول يضعف لأن سؤر الشيء بقيته اليسيرة, وسائر يستعمل في الشيء الكثير, قال الشاعر: [الطويل]

وما حسن أن يعذر المرء نفسه ... وليس له من سائر الناس عاذر

المرء واحد. وقوله: سائر الناس يدخل فيه خلق كثير؛ وكأن هذا الوجه يدفع أن يكون سائر من السؤر, وإنما يجب أن يكون من قولهم: سار الشيء في غيره إذا انتشر فيه. يقول: سار النوم في جسده إذ سكن كل أعضائه, وسار الحديث في الناس إذا انتشر فيهم, ويقوي هذا المذهب أن سائرًا قد جاء وليس قبله شيء من جنسه, قال الراجز: [الرجز]

لو أن من يزجر بالحمام ... يقوم يوم وردها مقامي

إذا أضل سائر الأحلام

<<  <   >  >>