يذكر تعالى في هاتين الآيتين أَنَّ المسلمين سألوا النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثَ مسائل: الأولى: سألوا عن الخمر والميسر؛ عن حكمهما؟ فأَمرَ اللهُ نبيَّه أَنْ يُجيبهم:{قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَّفْعِهِمَا}، وليس في هذا الجواب تصريحٌ بالتحريم، بل فيه التنفيرُ عنهما لرجحان مفسدتهما، ففيهما إثمٌ كبيرٌ من العداوة والبغضاء، وذهابِ العقل، والصدِّ عن ذكر الله وعن الصلاة، ومع ذلك فيهما منافعُ للناس من اكتساب الأموال والنشوة والسرور، وعلى هذا: فتحريمُ الخمرِ والميسرِ مُستفادٌ من آية المائدة: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلَامُ} إلى قوله: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُون (٩١)} [المائدة: ٩٠ - ٩١]، وهذا هو المشهور وقول الجمهور، وادَّعى بعضُهم أَنَّ التحريمَ مُستفادٌ من آية البقرة؛ لقوله تعالى:{فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ}(١).
والمرادُ بالخمر: كلُّ مُسكرٍ يُغطِّي العقلَ من مأكولٍ أو مشروبٍ، من أَيِّ شيءٍ كان، من عصيرِ العنب أو غيره. والميسر: مَفْعِل من اليُسر، والمرادُ به: القمارُ، والقمارُ: كلُّ مُغالبةٍ على عِوضٍ، بأيِّ طريقةٍ كان، ومنها النردُ والشطرنجُ. والقمارُ مصدرٌ؛ يقال: قامره يُقامره قِمارًا، ويقال: قامره فقمره؛ أي: غلبه في
(١) والأول هو قول جمهور المفسرين، والثاني نُسب للحسن وعطاء وإلى قوم من أهل النظر: ينظر: «الناسخ والمنسوخ» للقاسم بن سلام (ص ٢٤٨ - ٢٥١)، و «نواسخ القرآن» لابن الجوزي (ص ٧٦)، و «تفسير الطبري» (٣/ ٦٧٩ - ٦٨٦)، و «معاني القرآن» للزجاج (١/ ٢٩٢)، و «التفسير البسيط» (٤/ ١٥٢)، و «المحرر الوجيز» (١/ ٥٣٤).