للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله تعالى: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (٧٤)} [البقرة: ٧٤]:

المخاطَبون في هذه الآية هم المخاطَبون في الآيات السابقة، وهم بنو إسرائيل الحاضرون، والذين قَسَت قلوبُهم: هم بنو إسرائيل المتقدِّمون الذين جَرَت على أيديهم قصَّةُ القتيل وقصَّةُ البقرة؛ يخبر تعالى عنهم بأنها قَسَت قلوبُهم بعدما جرى منهم التدافعُ في أمر القتيل والتعنُّت في شأن البقرة وإظهار الله ما كانوا يكتمون. ومعنى قَسَت قلوبهم: اشتدَّتْ ولم تَلِن بعدما رأوا من آيات الله، فصارت في قسوتها مثل الحجارة أو أشد، ويدلُّ على أنها أشدُّ: أنَّ من الحجارة ما يتفجَّر منها الأنهار، ومنها ما يتشقَّقُ منه الماءُ، ومنها ما يهبطُ من المكان العالي بسبب خشيته لله.

ثم يقول تعالى: {وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ}: وفي هذا تهديدٌ ووعيدٌ للذين قَسَت قلوبهم فداموا على المعصية حتى قالوا: {سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا}.

{ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ} أيُّها اليهودُ! صَلُبت عن قبول الحقِّ {مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ} المذكور من إحياء القتيل وما قبله من الآيات {فَهْيَ كَالْحِجَارَةِ} في القسوة {أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً} منها {وَإِنَّ مِنْ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّر مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ} فيه إدغامُ التاء في الأصل في الشين {فَيَخْرُج مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ} ينزلُ من علو إلى سفل {مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} وقلوبكم لا تتأثرُ ولا تلينُ ولا تخشع {وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} وإنما يؤخِّركم لوقتكم. وفي قراءةٍ بالتحتية، وفيه التفاتٌ عن الخطاب.

<<  <   >  >>