فقوله -تعالى-: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إلا اللَّهُ لَفَسَدَتَا}[الأنبياء: ٢٢]، شرطية متصلة لزومية في غاية الصدق، مع أنك لو أزلت أداة الربط بين طرفيها كان كل من الطرفين قضيةً كاذبة، فيصير الطرف الأول عند إزالة الربط:{كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إلا اللَّهُ} وهذه قضية كاذبة، سبحانه وتعالى عن أن يكون معه إله علوًا كبيرًا، ويصير الطرف الثاني في المثال المذكور (فسدتا) أي السموات والأرض، وهي أيضًا قضية كاذبة.
وكقولك:(لو كان زيد حجرًا لكان جمادًا)، فهذه لزومية صادقة مع كذب الطرفين، لأن زيدًا لم يكن حجرًا ولم يكن جمادًا.
وقال بعض أهل العلم: إن مورد الصدق والكذب في الشرطية المتصلة هو التالي فقط الذي هو الجزاء، فهو المحتمل للصدق والكذب عندهم. والشرط الذي هو المقدم قيد فيه، وزعموا أن هذا قول أهل العربية.
والصواب فيما يظهر أن أهل اللغة موافقون للمنطقيين في أن الصدق والكذب في الشرطية المذكورة إنما يتواردان على الربط بين طرفيها؛ لصدقها مع كذب الطرفين كما مثّلنا، ولصدقها أيضًا مع كذب أحدهما وصدق الآخر لو أزيل الربط، [كقولك](١): (لو كان زيد في السماء ما نجا من الموت)، فهذه شرطية صادقة، وتاليها الذي هو (ما نجا من الموت) صادق، ومقدّمها الذي هو كونه في السماء كاذب.
التنبية الثاني: اعلم أن الطرف الأول من طرفي الشرطية يسمى
(١) في المطبوع: (كقوله)، وهو خلاف ما جرى عليه المؤلف في سائر الأمثلة.