للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأبي حيان (١) في آية {وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا (٥٧)} فقد ظنا هذه الشرطية في هذه الآية لزومية؛ حيث زعما أنه جُعل فيها سبب عدم اهتدائهم هو دعوته لهم إلى الهدى. والمعنى أن الكفار عندهما جعلوا ما يكون سببًا للاهتداء سببًا لانتفائه، وكل ذلك غلط؛ لأن الشرطية المذكورة في الآية اتفاقية، لا ربط أصلًا بين مقدَّمها وتاليها.

واعلم أن الشرط الحقيقي في الاتفاقية ليس هو المذكورَ مع الجزاء، بل سبب الجزاء شيء آخرُ غيرُ مذكور معه في الشرطية المذكورة.

كقولهم (لو لم يخف الله لم يعصه) فعدم العصيان الذي هو الجزاء في مثل هذا المثل سببه غير مذكور معه، فليس سببُه عدمَ الخوف الذي هو الشرط في المثال المذكور، ولكنه شيء آخرُ لم يذكر، وهو تعظيمه لله ومحبته له المانعةُ من معصيته له، ولو لم يكن خائفًا.

وكذلك قوله -تعالى-: {فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا (٥٧)} سببه الحقيقي غير مذكور معه، فليس هو قولَه: {وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى} كما ظنه الزمخشري وأبو حيان وغيرهما، بل سببه هو إرادة الله -تعالى- عدمَ اهتدائهم، على وفق ما سبق في علمه أزلا.


= توفي سنة ٥٣٨ هـ. انظر سير أعلام النبلاء للذهبي (٢٠/ ١٥١ - ١٥٥).
(١) هو رأس العربية في زمانه، محمد بن يوسف بن علي، النفزي، الأندلسي، صاحب "البحر المحيط" في التفسير، توفي سنة ٧٤٥ هـ. انظر "معرفة القراء الكبار" للذهبي (٢/ ٧٢٣).