للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هذا وإنَّ وعده له بالفقر (١) ليس شفقةً عليه ولا نصيحةً له كما ينصح الرجل أخاه، ولا محبةً في بقائه غنيًّا، بل لا شيء أحبَّ إليه من فقره وحاجته؛ وإنَّما وعدُه له بالفقر وأمرُه إيَّاه بالبخل ليُسيءَ ظنّه بربّه، ويتركَ ما يحبّه من الإنفاق لوجهه، فيستوجب منه الحرمان. وأمَّا اللَّه سبحانه وتعالى فإنَّه يعِد عبده على إنفاقه (٢) مغفرةً منه لذنوبه، وفضلًا بأن يخلف عليه أخيرَ (٣) ممَّا أنفق وأضعافه إمَّا في الآخرة (٤) أو في الدنيا والآخرة. فهذا وعدُ اللَّه، وذاك وعدُ الشيطان. فلينظر البخيل والمنفق بأيّ الوعدين (٥) هو أوثق، وإلى أيّهما يطمئنّ قلبه وتسكن نفسه؟ واللَّه يوفِّق من يشاء، ويخذل من يشاء، وهو الواسع العليم.

وتأمَّل كيف ختم هذه الآية بهذين الاسمين، فإنَّه واسع الفضل (٦)، واسع العطاء، عليمٌ بمن يستحقُّ فضله، ومن يستحقّ عدله، فيعطي هذا بفضله، ويمنع هذا بعدله، وهو بكلِّ شيءٍ عليم.

فتأمَّل هذه الآيات ولا تستطِلْ بسطَ الكلام فيها، فإنَّ لها شأنًا لا يعقله إلا من عقل عن اللَّه خطابَه، وفهم مرادَه {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ (٤٣)} [العنكبوت/ ٤٣].

وتأمَّل ختم هذه السورة التي هي سنام القرآن بأحكام الأموال وأقسام


(١) "ك، ط": "الفقر".
(٢) "على إنفاقه" ساقط من "ك، ط".
(٣) هذه قراءة "ف". ورسم الكلمة في الأصل يشبه "أكبر". وفي "ب، ك، ط": "أكثر".
(٤) "ك، ط": "في الدنيا".
(٥) "ك، ط": "أي الوعدين".
(٦) "واسع الفضل" ساقط من "ك، ط".