للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

منها شيء في المعقول (١)، أو تشوّش في المحسوس، أو اضطرب في المعهود، فهو المدبّر له، وشأنه سَوقُ المقادير إلى المواقيت. والمتوكّل من أراح نفسه من كدِّ (٢) النظر في مطالعة السبب، سكونًا إلى ما سبق من القسمة، مع استواء الحالين عنده، وهو أن يعلم أنَّ الطلبَ لا يجمع، والتوكّل لا يمنع. ومتى طالع بتوكّله عرَضًا (٣) كان توكّلُه مدخولًا، وقصدُه معلولًا. فإذا خلص من رقّ هذه الأسباب، ولم يلاحظ في توكّله سوى خالص حقِّ اللَّه، كفاه اللَّه تعالى كلَّ مهمٍّ".

ثمَّ ذكر حكايةَ عن موسى -صلى اللَّه عليه وسلم- أنَّه في رعايته نام عن غنمه، فاستيقظ، فوجد الذئب واضعًا عصاه على عاتقه يرعاها، فعجب من ذلك، فأوحى اللَّه إليه: "يا موسى، كن لي كما أريد، أكن لك كما تريد" (٤).

فيقال: الكلام على هذا من وجوه:

أحدها: أنَّ جعلَه التوكّلَ من منازل العوامّ باطلٌ كما تقدّم، بل الخاصّة أحوَج إليه من العامَّة، وتوكّل الخواصّ أعظم من توكّل العوامّ.


(١) "ب، ك، ط": "العقول"، والمثبت من "ف" والمجالس. وقد سبق أنّ رأس الميم يكاد يخفى أحيانًا في رسم الأصل.
(٢) "ك، ط": "كلّ". وفي المجالس: "عن كد".
(٣) في المجالس: "عوضًا".
(٤) محاسن المجالس (٧٩ - ٨٠). وقد نقل المصنف معظم كلام ابن العريف هذا بلفظه في مدارج السالكين (٣/ ٤٧١ - ٤٧٢) دون نسبته إليه، ثمَّ ردّ عليه. وقال في بدائع الفوائد (٧٦٧): "وقد ذكرنا حقيقة التوكل وفوائده وعظم منفعته وشدّة حاجة العبد إليه في كتاب "الفتح القدسي" وذكرنا هناك فساد من جعله من المقامات المعلولة، وأنَّه من مقامات العوام، وأبطلنا قوله من وجوه كثيرة، وبيّنا أنّه من أجلّ مقامات العارفين. . . ".