للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (٢٦٨)} [البقرة/ ٢٦٨].

هذه الآية تتضمَّن الحضّ على الإنفاق والحثّ عليه بأبلغ الألفاظ وأحسن المعاني. فإنَّها اشتملت على بيان الداعي إلى البخل، والداعي إلى البذل والإنفاق؛ وبيان ما يدعوه إليه داعي البخل، وما يدعو إليه داعي الإنفاق، وبيان ما يدعو به داعي الأمرين.

فأخبر تعالى أنَّ الذي يدعوهم إلى البخل والشحّ هو الشيطان، وأخبر أنَّ دعوته هي بما يعدهم به ويخوِّفهم من الفقر إن أنفقوا أموالهم. وهذا هو الداعي الغالب على الخَلق، فإنّه يهمّ بالصدقة والبذل، فيجد في قلبه داعيًا يقول له: متى أخرجتَ هذا دعتك الحاجةُ إليه وافتقرت إليه بعد إخراجه، وإمساكُه خير لك حتَّى لا تبقى مثل الفقير، فغناك خير لك من غناه. فإذا صوَّر له هذه الصورة أمره بالفحشاء، وهي البخل الذي هو من أقبح الفواحش. وهذا إجماع من المفسرين أنَّ الفحشاء هنا: البخل (١). فهذا وعده، وهذا أمره، وهو الكاذب في وعده، الغارّ الفاجر في أمره. فالمستجيب لدعوته مغرور مخدوع مغبون (٢)، فإنَّه يدلِّي من يدعوه بغروره، ثمَّ يورده شرَّ الموارد. كما قال:

دلَّاهمُ بغُرورٍ ثمَّ أوردَهم ... إنَّ الخبيثَ لمن والاه غرَّارُ (٣)


(١) في دعوى الإجماع نظر. فالطبري لم يشر في تفسيره (٥/ ٥٧١) إلى هذا القول البتة، وإنما فسر الفحشاء هنا بالمعاصي. وانظر القولين في زاد المسير (١/ ٢٤٢).
(٢) "ف": "مفتون"، خلاف الأصل.
(٣) البيت لحسان بن ثابت رضي اللَّه عنه كما في إغاثة اللهفان (٢٠٨)، والرواية: "ثم أسلمهم" كما في الإغاثة والديوان (٤٧٦)، وسيرة ابن هشام (١/ ٦٦٤).