الإقدام عليه، بل أخفاه في نفسه خوفا من مغبته، فسيقول الناس: تزوّج امرأة ابنه ... وهي لا تحلّ له!!.
ولكن هذا الذي سيقوله الناس هو ما أراد الله هدمه، ويجب على النبي صلى الله عليه وسلم أن ينفذه دون تهيب.
وقد تريّث النبيّ صلى الله عليه وسلم في إنفاذ أمر الله، ولعلّه ارتقب من الله- لفرط تحرجه- أن يعفيه منه، بل ذهب إلى أبعد من ذلك، فعند ما جاء زيد يشكو امرأته، ويعرض نيته في تطليقها، قال له النبي صلى الله عليه وسلم: «أمسك عليك زوجك واتق الله» .
عند ذلك نزل الوحي يلوم الرّسول صلى الله عليه وسلم على توقّفه، ويعتب عليه تصرّفه، ويحضّه على إمضاء رغبة زيد في فراق امرأته، ويكلّفه بتزوجها، ولو قال الناس:
تزوّج امرأة ابنه، فإنّ ادّعاء البنوة لون من التزوير، تواضع عليه العرب مراغمة للحق، وينبغي أن يقلعوا عنه، وأن يهدروا نتائجه، وليكن عمل الرسول صلى الله عليه وسلم بنفسه، وبمن التصق به أول ما يهدم ماثر الجاهلية في العرف الشائع.
هذه هي القصة كما بدأ القران الكريم يرويها:
وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ إِذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً [الأحزاب: ٣٧] .
على أنّ الغريب في هذه القصة ما أدخله المغفّلون عليها من دسائس الشهوة ومظاهر الحبّ الرخيص، فقد زعموا أنّ الرسول صلى الله عليه وسلم أحبّ زينب، ثم كتم هذا الحب، ثم ظهر، فتزوجها بعد ما طلقت!.
ثم زعموا أنّ صدر الاية السابقة جاء عتابا له عن هذه العاطفة المكبوتة.
ونحن نتعجّب أشدّ العجب لهذا الخبط الهائل، ومحاولة تلبيس الحق بالباطل.
من كان يمنع محمدا صلى الله عليه وسلم من الزواج بزينب وهي قريبته- بنت عمته- وهو الذي ساقها إلى رجل لم تكن فيه راغبة، وطيّب خاطرها لترضى به؟!.
أفبعد أن يقدّمها لغيره يطمع فيها؟!.
ثم لننظر إلى الاية، وما يزعمون أنها تضمنته من عتاب.