إن مراتب التعليم المختلفة هي مراحل جهاد متصل لتهذيب العقل وتقوية ملكاته وتصويب نظرته إلى الكون والحياة والأحياء. فكل تعليم يقصر بأصحابه عن هذا الشأو لا يؤبه له، مهما وسم بالشهادات والإجازات! وأحقّ منه بالحفاوة، وأسبق منه إلى الغاية المنشودة، أن ينال المرء حظّا وافرا من حسن الفطنة، وأصالة الفكرة، وسداد الوسيلة والهدف. وقد أشار القران الكريم إلى نصيب (إبراهيم) عليه السّلام من هذه الخصال عند ما قال:
ومحمد عليه الصلاة والسلام في هذا المنهج كجدّه إبراهيم: إنه لم يتلقّ علما على راهب أو كاهن أو فيلسوف ممن ظهروا على عهده، ولكنّه بعقله الخصب، وفطرته الصافية؛ طالع صحائف الحياة وشؤون الناس وأحوال الجماعات، فعاف منها ما سادها من خرافة، ونأى عنها، ثم عاشر الناس على بصيرة من أمره وأمرهم، فما وجده حسنا شارك فيه بقدر، وإلا عاد إلى عزلته العتيدة، يتابع النظر الدائم في ملكوت السموات والأرض، وذلك أجدى عليه من علوم هي بالجهل المركب أشبه، ومن مجتمع فقد الهداة من قرون، فهو يضمّ ضلالا جديدا إلى الضّلال القديم كلّما مرت عليه ليلة وطلع صباح..
وقد رأى أن يشهد الأعمال العامّة التي اهتمّ بها قومه؛ لأنه لم يجد أيّ حرج إذ يشارك فيها، ومن ذلك خوضه مع عمومته وقبيلته (حرب الفجار) ، ثم شهوده من بعد (حلف الفضول) .