جاء تفكير المسلمين في زيارة المسجد الحرام بداية لمرحلة متميزة في تاريخ دعوتهم، أليسوا يعالنون بعزمهم على دخول مكة، وهم الذين طردوا منها بالأمس وحوربوا، حيث استقرّ بهم النوى؟ وظلّت حالة الحرب قائمة بينهم وبين قريش، لم تسفر عن نتيجة حاسمة؟ فكيف ينوون العمرة في هذه الظروف ... ؟.
والجواب أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم أراد بهذا النسك المنشود إقرار حقّ المسلمين في أداء عبادتهم، وإفهام المشركين أنّ المسجد الحرام ليس ملكا لقبيل يحتكر القيام عليه ويمكنه الصدّ عنه، فهو ميراث الخليل إبراهيم، والحج إليه واجب على كلّ من بلغه أذان أبي الأنبياء من قرون:
ومن ثمّ فليس يجوز لأهل مكة أن يحجبوا المسلمين عنه، ولئن استطاعوا قديما إقصاءهم، إنهم- بعد ما وقع من قتال- لن يصرّوا على خطئهم القديم.
وإحرام النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه بالعمرة فحسب- وهم يريدون دخول مكة- اية على الرغبة العميقة في السلم، وعلى الرغبة في نسيان الخصومات السابقة، وتأسيس علائق أهدأ وأرقّ.
ومتى يحدث هذا؟ بعد أن استفرغت قريش جهدها في إيذاء المسلمين، وبعد ما بدا فشلها الذريع في ذلك. لقد استمرّت بضع سنين تقاتل وتبذل من دمها ومالها لتهزم الإسلام، فلم ترجع اخر الأمر إلا بالخسائر الفادحة، والأزمات العضوض، على حين رسخت أقدام المسلمين، وعلت راياتهم، وانكمش عدوّهم، وها هم أولاء يخرجون إلى مكة عبّادا مخبتين، لا غزاة منتقمين.
أجل إنهم لا يبغون إلا أن ينالوا مثل ما لغيرهم من حق الاعتمار والحج،