ولا يسوغ أن يحرموا من ذلك أبدا. وبذلك القصد السمح المهذب، استنفر رسول الله صلى الله عليه وسلم جمهور المسلمين وأعراب البوادي، واذنهم أنه يريد العمرة ولا يريد قتالا، وساق أمامه الهدي الذي سيذبح ليطعمه فقراء مكة، الفقراء الذين حشدوا لاستئصاله يوم الأحزاب ...
أكان الكافرون برسالة محمد عليه الصلاة والسلام يفقهون هذه النية ويقدّرون مكانة صاحبها؟.
لا ... إنهم بقوا على العهد بهم من فساد الضمير ونية السوء.
فالأعراب المنتشرون حول يثرب ومن على شاكلتهم من المنافقين، عرفوا أنّ أهل مكة سوف يقاتلون محمدا عليه الصلاة والسلام أمرّ قتال، وأنه إذا أبى إلا زيارة البيت- كما أعلن- فلن تدعه قريش حتى تهلكه أو تهلك هي دون إبلاغه مأربه ... فهي عمرة محفوفة بالأخطار في نظرهم، والفرار منها أجدى!!.
ولو فرض أن الرسول عليه الصلاة والسلام نجح في مقصده هذا، فالاعتذار إليه بعد عودته سهل:
وخرج المؤمنون الواثقون مع رسول الله عليه الصلاة والسلام وعددهم قريب من ألف وأربعمئة، وذلك في ذي القعدة من السنة السادسة للهجرة. وساروا ملبّين يطوون الطريق إلى البيت العتيق، فلمّا بلغوا (عسفان) - على مرحلتين من مكة- جاء الخبر إلى المسلمين أنّ قريشا خرجت عن بكرة أبيها، قد أقسمت ألّا يدخل بلدهم مسلم، وأنّ جيشهم استعدّ للنضال، يقود خيله خالد بن الوليد.
وبدأ شبح الحرب أمام الأعين يملأ هذه البقاع المحرمة بالدماء والأشلاء، والمسلمون لم يجيئوا لهذا، وما كان لأهل مكة أن يلجئوهم إليه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا ويح قريش لقد أكلتهم الحرب، ماذا عليهم لو خلّوا بيني وبين سائر العرب، فإن هم أصابوني كان ذلك الذي أرادوا! وإن أظهرني الله عليهم دخلوا في الإسلام وافرين، وإن لم يفعلوا قاتلوا وبهم قوة، فما تظنّ قريش؟ فو الله