للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الفائدة الثالثة:]

حرص الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه على حث الأمة على الاقتداء بسنة الحبيب صلّى الله عليه وسلّم مع حرصه على عدم وقوع الأمة في أي مظهر من مظاهر الشرك، ذكر ابن حجر في الفتح أن عمر أراد بقوله: (لقد علمت أنك حجر) حثّ الأمة على الاقتداء برسول الله صلّى الله عليه وسلّم في تقبيله وينبه على أنه لولا الاقتداء به لما فعله، وإنما قال:

(وإنك لا تضر ولا تنفع) لئلا يغتر بعض قريبي العهد بالإسلام الذين كانوا ألفوا عبادة الأحجار وتعظيمها ورجاء نفعها وخوف الضرر بالتقصير في تعظيمها، فخاف عمر أن يراه بعضهم يقبّله ويعتني به فيشتبه عليه فبينّ أنه لا يضر ولا ينفع بذاته) . انتهى كلامه- رحمه الله- «١» .

[تنبيه:]

زيد في هذا الحديث كلام مختلق لا أصل له ولم يصح من سنة النبي صلّى الله عليه وسلّم، ويشتبه على الناس هذه الزيادة لعلمهم أن أصل الحديث في الصحيح، ونص هذه الزيادة الغريبة:

(وكان عليّ رضي الله عنه يقف وراء عمر بن الخطاب فقال له: بلى يا أمير المؤمنين فإنه ينفع ويضر، فإني سمعت النبي صلّى الله عليه وسلّم يقول: من قبل الحجر الأسود جاء يوم القيامة (أي الحجر) شاهدا له عند ربه) . وروايات أخرى مشابهة لهذا المعنى، فأردت أن أنبه على بطلانها.

[المثال الثالث:]

عن حفص بن عاصم قال: (صحبت ابن عمر في طريق مكّة قال: فصلّى لنا الظّهر ركعتين، ثمّ أقبل وأقبلنا معه حتّى جاء رحله وجلس وجلسنا معه، فحانت منه التفاتة نحو حيث صلّى فرأى ناسا قياما فقال: ما يصنع هؤلاء. قلت: يسبّحون. قال: لو كنت مسبّحا لأتممت صلاتي، يا ابن أخي إنّي صحبت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في السّفر فلم يزد على ركعتين حتّى قبضه الله، وصحبت أبا بكر فلم يزد على ركعتين حتّى قبضه الله، وصحبت عمر فلم يزد على ركعتين حتّى قبضه الله، ثمّ صحبت عثمان فلم يزد على ركعتين حتّى قبضه الله. وقد قال الله: لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) «٢» .

وهذا مثال ثالث يبين بجلاء معنى الاتباع عند الصحابة رضي الله عنهم، وفي أمر مهم جدّا وهو الصلاة، الركن الركين والشعيرة الأعظم في هذا الدين الحنيف، فما هو وجه الاتباع في هذا الحديث والفوائد المستنبطة منه؟ أقول وبالله التوفيق:

[فوائد الحديث]

[الفائدة الأولى:]

معلوم من سيرة الصحابة رضي الله عنهم، كم كانوا يحبون ويحرصون على أداء


(١) انظر «فتح الباري» ، (٣/ ٣٦٢- ٣٦٣) .
(٢) مسلم، كتاب: صلاة المسافرين وقصرها، باب: صلاة المسافرين وقصرها، برقم (٦٨٩) ، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.

<<  <  ج: ص:  >  >>