بالتنزيل، فعليه أن يفتش في نفسه، فلعل الذي رده عن الانصياع وعدم العمل هو الكبر والعياذ بالله فيتدارك ذلك بالتوبة.
[الفائدة الخامسة:]
من عظيم أمر الكبر، أنه هو المعصية الوحيدة، التي أبى الله عزّ وجلّ، إلا أن يفضح عبده بها في الدنيا، فالإنسان المتكبر المتلبس بهذه الصفة، لا يمكن أن يسترها عن الناس، فتظهر في احتقاره الناس، أو ردّ الحق كما في الحديث السابق، أو جرّ ثوبه، لما ثبت من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال:«من جرّ ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة» . قال أبو بكر رضي الله عنه: يا رسول الله إنّ أحد شقّي إزاري يسترخي إلّا أن أتعاهد ذلك منه، فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم:«لست ممّن يصنعه خيلاء»«١» .
وقد يظهر الكبر على الرجل من عطف عنقه إذا دعي إلى الحقّ قال- تعالى-: ثانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَذابَ الْحَرِيقِ [الحج: ٩] .
أو يظهر ذلك عليه من ليّ رأسه إذا دعي إلى الحق، قال- تعالى-: وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ [المنافقون: ٥] ، وفضيحة المتكبر في الدنيا هي أعظم رادع له ليتخلص من هذا الخلق السيئ المشين، ولكن كيف يعلم العبد أن به هذه الصفة؟ وهي الفائدة التالية.
[الفائدة السادسة:]
من السهل واليسير على المسلم، إذا فتش في نفسه أن يعلم أنه متكبر أم لا، ومن ذلك كما أشرنا سابقا أن يستصغر الناس وأن يترفع عن الحق، وأن يجر ثوبه، وأن يجد صعوبة في أن يلقي السلام على الناس خاصة من هو دونه، أو لا يرد السلام على من سلم عليه، أو يرد بصوت خافت لا يكاد يسمعه أحد، أو أن يتعفف عن الأكل مع الفقراء، خاصة خادمه، أو أن يتعاظم في نفسه جدّا أن يساعد من دونه، حتى لو رآه في شدة، بل قد يصل الأمر كما رأيت بنفسي، أن يحب وهو في الصلاة أن تكون هناك فرجة بينه وبين جاره، ويكره أن يسدّ هذه الفرجة، ومنها أيضا ألايسلم إلا بأطراف أصابعه، وأن يكون هو الذي يبدأ بنزع يده أولا، وقد تراه في الصلاة لا يمكّن جبهته أو أنفه من الأرض، وأعظم هذه العلامات ألاتسمع منه أبدا:(إني أخطأت) . فيستكبر عن أن يعترف بخطئه.
(١) البخاري، كتاب: المناقب، باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لو كنت متخذا خليلا ... » . برقم (٣٦٦٥) .