واحد، فذكروه أولا ثم عطفوا بالناس، حتى ولو كانوا مشتركين في الأمر المخبر عنه، ففي الحديث:(فأقام الرسول صلى الله عليه وسلم على التماسه وأقام الناس معه) ، وفيه:(ألا ترى ما فعلت عائشة؟ أقامت برسول الله وبالناس) ، وكذا قول أبي بكر معاتبا عائشة:(حبست رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس وليسوا على ماء) ، وأحسب أن ذلك أثر التربية الربانية للصحابة، قال تعالى: لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً [النور: ٦٣] .
[الفائدة الثانية:]
مناقب عائشة رضي الله عنها:
١- حبس النبيّ صلى الله عليه وسلم الناس لالتماس عقدها، مع علم النبي أنه ليس ثمة ماء، وهذا فيه تطييب لخاطرها، وإزالة الحزن عن نفسها بفقد عقدها، وقد يكون أيضا من باب المحافظة على المال، وقد بينت ذلك في التعليق على حديث الإفك.
٢- نوم النبي صلى الله عليه وسلم واضعا رأسه الشريفة على فخذها، وهي منقبة عظيمة لمن تدبرها؛ لأنه يشعر بعظيم حبه لها.
٣- إيثارها راحة النبي وعدم إزعاجه في نومه، على التحرك للنجاة من إيلام أبيها، فقدمت راحة الرسول على ألم جسدها، قالت:(فعاتبني أبو بكر وقال ما شاء الله أن يقول وجعل يطعنني بيده في خاصرتي ولا يمنعني من التحرك إلا مكان الرسول على فخذي) .
٤- بركة عائشة رضي الله عنها، والبركة هي كثرة الخير وعموم نفعه، حيث إنها كانت السبب المباشر في نزول آية التيمم، بعد أن حبست الرسول والناس معه وليسوا على ماء، ولك أن تتصور مدى أهمية هذه البركة العظيمة، التي انتفع بها عموم المسلمين إلى يوم القيامة، وقد لمح الصحابي الجليل، أسيد بن حضير، عظيم هذه البركة، بمجرد نزول آية التيمم فقال:
«ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر» ، وهذا تصريح منه بفضل أبي بكر وابنته وأهل بيته على الأمة.
وقد ورد عند البخاري:«فو الله ما نزل بك من أمر تكرهينه إلا جعل الله للمسلمين فيه خيرا»«١» . وهذا غاية إكرام الله لها.
[الفائدة الثالثة:]
لا يجب على المسلم، إذا كان في سفر وليس معه ماء، أن يتعجل السفر مخافة أن تتدركه الصلاة، وله أن يتوقف في السفر لكل أمر مباح، ولو للتنزه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم حبس الناس في عقد، ولم تكن آية التيمم قد نزلت بعد، فالتيمم مشروع لكل من
(١) البخاري، كتاب: التيمم، باب: إذا لم يجد ماء ولا ترابا، برقم (٣٣٦) ، من حديث عائشة رضي الله عنها.