للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أيَّامًا، وحدثت له مادَّةٌ في حَلْقه، فبطَّت (١) قبل أن تبلغَ وقتَ تمامها، فمات.

[ذِكرُ وصيَّته:

قال علماءُ السِّيَر:] (٢) ولما اشتدَّ به المرض، بعث إلى ابنه العباسِ وهو يظنُّ أنَّه لا يأتيه، فأتاه وقد تغيَّر عقله، فأَقام عند أبيه، وكان قد أَوصى قبل ذلك إلى أخيه أبي إسحاقَ المعتصم، ونفذت الكتبُ إلى البلاد بأنَّه الخليفةُ من بعده، ثم أَحضر القضاةَ والعلماءَ والقوَّاد، وكتب كتابَ الوصيَّة بمحضرٍ من المعتصم والعباس، ومضمونُه (٣):

هذا ما أَشهد عليه عبدُ الله بن هارونَ أميرُ المؤمنين أنَّه يشهد أنْ لا إلهَ إلَّا الله، وأنَّه واحدٌ لا شريكَ له في ملكه، ولا مدبِّرَ غيرُه، وأنَّه خالقٌ، وما سواه مخلوق، وأنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، وأن الموتَ حقّ، والبعثَ حقّ، والحسابَ حقّ، والجنَّةَ والنار حقّ، وأنَّ محمدًا قد بلَّغ عن ربِّه شرائعَ دينه، وأدَّى النصيحةَ إلى أمَّته حتى قبضه اللهُ إليه، فصلَّى اللهُ عليه أفضلَ صلاةٍ صلَّاها على أحدٍ من ملائكته المقرَّبين وأنبيائه المرسَلين، وأنِّي مُقِرٌّ مذنب، أَرجو وأخاف، إلَّا أني إذا ذكرتُ عفوَ الله رجوت، فإذا أنا متُّ فوجِّهوني وغمِّضوني، وأَسبغوا وُضوئي، [وذكر الكفن والصلاة، فقال:] وأَجيدوا كفني، ولْيصلِّ عليَّ أقربُكم منّي نَسَبًا، وأكبرُكم سِنًّا، ولْيكبِّر خمسًا، ثم لينزلْ في حفرتي أَقربُكم قرابة، وضعوني في لَحدي، وسدُّوا عليَّ باللَّبِن، ثم احثُوا الترابَ عليّ، وخلُّوني وعملي، فكلكم لا يُغني عني شيئًا، ولا يدفعُ عني مكروهًا، ثم قِفوا بأَجمعكم، فقولوا خيرًا إنْ علمتم، وأَمسكوا عن ذِكر سيِّئَ إنْ عرفتم.

ونهى عن البكاءِ عليه والنَّوح، وقال: يا ليت عبدَ الله بنَ هارونَ لم يكن شيئًا، يا ليته لم يُخلَق.

ثم قال لأخيه المعتصم: يا أبا إسحاق، ادنُ منِّي واتَّعظْ بما ترى، وخُذْ بسيرة: أَخيك في القرآن وغيره، واعمل في الخلافة إذ طوَّقكها اللهُ [بعنقك] عملَ المريدِ لله، الخائفِ من عقابه، ولا تغترَّ بالله وإمهاله، فكأنْ وقد نزل بك الموت، ولا تغفل عن أمر الرعيَّة،


(١) بطَّ القرحة: شقَّها. مختار الصحاح (بطط).
(٢) ما بين حاصرتين من (ب).
(٣) في (ب): وكانت وصيته.