للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله سبحانه: أَلا إِنَّما طائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ معناه: حظُّهم ونصيبهم قاله ابن عباس «١» ، وهو مأخوذ من زَجْر الطَّيْرِ فسُمِّيَ ما عند اللَّه من القدر للإِنسان طائراً لما كان الإِنسان يعتقدُ أنَّ كل ما يصيبه إِنما هو بحَسَب ما يراه في الطَّائِرِ، فهي لفظةٌ مستعارةٌ، ومهما أصلها عنْدَ الخليل مَامَا/، فأبدلت الألف الأولى هاء، وقال سيبوَيْهِ: هي «مَهْ مَا» خُلِطَتَا، وهي حَرْفٌ واحدٌ لمعنًى واحدٍ.

وقال غيره: معناها: «مَهُ» ، أي: كُفَّ، و «ما» : جزاءٌ، ذكره الزَّجَّاجُ، وهذه الآيةُ تتضمَّن طغيانهم، وعتوهم، وقَطْعَهم على أنفسهم بالكُفْر البحت.

[سورة الأعراف (٧) : الآيات ١٣٣ الى ١٣٧]

فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ وَالْجَرادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفادِعَ وَالدَّمَ آياتٍ مُفَصَّلاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ (١٣٣) وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قالُوا يا مُوسَى ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرائِيلَ (١٣٤) فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلى أَجَلٍ هُمْ بالِغُوهُ إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ (١٣٥) فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ (١٣٦) وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا الَّتِي بارَكْنا فِيها وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ بِما صَبَرُوا وَدَمَّرْنا ما كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَما كانُوا يَعْرِشُونَ (١٣٧)

وقوله سبحانه: فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ ... الآية: الطُّوفانُ: مصْدَر مِنْ قولكّ:

طَافَ يَطُوفُ، فهو عامٌ في كلِّ شيء يطُوفُ إِلاَّ أن استعمال العَرَب له كثيرٌ في الماءِ والمَطَر الشديد، قال ابن عبَّاس وغيره: الطُّوفَان في هذه الآية: هو المطر الشديدُ، أصابهم وتوالى عليهم حتَّى هدَّم بيوتَهُمْ وضيَّق عليهم «٢» ، وقيل: طَمَّ فَيْضُ النِّيلِ عليهم، ورُوي في كيفيَّته قصصٌ كثيرةٌ، وقالتْ عائشة رضي اللَّه عنها، عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إِنَّ الطُّوفان المراد في هذه الآية هو الموت» «٣» .


(١) أخرجه الطبري (٦/ ٣١) برقم: (١٤٩٩٥) بلفظ: «مصائبهم عند الله» ، برقم: (١٤٩٩٦) بلفظ: «الأمر من قبل الله» ، وذكره ابن عطية (٢/ ٤٤٣) ، والبغوي (٢/ ١٩٠) بنحوه، وابن كثير (٢/ ٢٣٩) بلفظ:
«أي من قبل الله» ، والسيوطي (٣/ ٢٠٢) ، وعزاه لابن جرير، عن ابن عباس بلفظ: «مصائبهم» ، وعزاه لابن جرير، وابن المنذر.
(٢) أخرجه الطبري (٦/ ٣١) برقم: (١٤٩٩٨) ، (٦/ ٣٦) برقم: (١٥٠٢٨) بنحوه، وذكره ابن عطية (٢/ ٤٤٤) ، وابن كثير (٢/ ٢٤٠) بنحوه، والسيوطي (٣/ ٢٠٣) بسندين، الأول: لأبي الشيخ، والثاني:
لابن أبي حاتم وأبي الشيخ. [.....]
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦/ ٣٢) برقم: (١٥٠٠٥) ، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣/ ٢٠٣) ، وزاد نسبته إلى ابن أبي حاتم، وأبي الشيخ، وابن مردويه.

<<  <  ج: ص:  >  >>