للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فرعون، واضْطَرَّهم إِلى البحر.

قال ع «١» : وبالجملة فهو كلامٌ يجري مع المعهودِ مِنْ بني إِسرائيل مِن اضطرابهم على أنبيائهم، وقلَّةِ يقينهم، واستعطاف موسى لهم بقوله: عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ، ووعده لهم بالاستخلاف في الأرض، يدُلَّ على أنه يستدعي نفوساً نافرةً ويقوِّي هذا الظنَّ في جهة بني إِسرائيل سلوكُهم هذا السبيلَ في غَيْر مَا قصَّةٍ، وقوله:

فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ تنبيهٌ وحضٌّ على الاستقامة، ولقد استخلفوا في مِصْرَ في زمن دَاوُدَ وسليمانَ، وقد فتحوا بَيْتَ المَقْدِسِ مع يُوشَعَ.

وقوله سبحانه: وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ، أي: بالجُدُوب والقُحُوطِ، وهذه سِيرَةُ اللَّه في الأممِ، وقوله: وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ، أي: حتى رُوِيَ أن النخلة مِنْ نخلهم لا تَحْمَلُ إِلا ثمرةً واحدةً، وقال نحوه رجاءُ بْنُ حَيْوَة «٢» وفعل اللَّه تعالى بهم هذا لينيبوا ويَزْدَجِرُوا عَمَّا هم عليه من الكُفْرِ إِذ أحوالُ الشدَّة ترقُّ معها القلوبُ، وترغبُ فيما عند اللَّه سبحانه.

وقوله عزَّ وجلَّ: فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قالُوا لَنا هذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ ... الآية: كان القَصْدُ في إِصابتهم بِالقَحْط والنقْصِ في الثمراتِ أن ينيبوا ويرجعوا، فإذا هم قد ضَلُّوا، وجعلوها تشاؤماً بموسى، فكانوا إِذَا اتفق لهم اتفاق حسنٌ في غَلاَّت ونحوها، قالوا: هذه لنا، وبسببنا، وإذا نالهم ضُرٌّ، قالوا: هذا بسبب موسى وشُؤْمِهِ قاله مجاهد «٣» وغيره، وقرأ الجمهور «٤» «يَطَّيَّرُوا» - بالياء وشدِّ الطاء والياءِ الأخيرة-، وقرأ طلحةُ بنُ مُصَرِّفٍ «٥» وغيره: «تَطِيرُوا» - بالتاء وتخفيف الطاء-، وقرأ «٦» مجاهدٌ: «تَشَاءَمُوا بمُوسَى» - بالتاء من فوق- وبلفظ الشؤم.


(١) ينظر: «المحرر الوجيز» (٢/ ٤٤٢) .
(٢) أخرجه الطبري (٦/ ٢٩- ٣٠) برقم: (١٤٩٨٨) ، وذكره ابن عطية (٢/ ٤٤٣) ، وابن كثير (٢/ ٢٣٩) ، والسيوطي (٣/ ٢٠٢) ، وعزاه لابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبي الشيخ.
(٣) أخرجه الطبري (٦/ ٣٠) برقم: (١٤٩٩٢) ، وذكره ابن عطية (٢/ ٤٤٣) ، والسيوطي (٣/ ٢٠٢) ، وعزاه لابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبي الشيخ.
(٤) ينظر: «المحرر الوجيز» (٢/ ٤٤٣) ، و «البحر المحيط» (٤/ ٣٧٠) ، و «الدر المصون» (٣/ ٣٢٧) .
(٥) وهي قراءة عيسى بن عمر.
ينظر: «الشواذ» (٥٠) ، و «المحرر الوجيز» (٢/ ٤٤٣) ، و «البحر المحيط» (٤/ ٣٧٠) ، و «الدر المصون» (٣/ ٣٢٧) .
(٦) قال أبو حيان: فينبغي أن يحمل ذلك على التفسير لا على أنه قرآن لمخالفته سواد المصحف.
ينظر «البحر المحيط» (٤/ ٣٧٠) ، و «المحرر الوجيز» (٢/ ٤٤٣) .

<<  <  ج: ص:  >  >>