للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَى الْمُبْطِلِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ «١» وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ فَيَتَعَلَّقُ بِمَحْذُوفٍ أَيْ مُلْتَبِسِينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَالْمَعْنَى غَيْرُ مُسْتَحِقِّينَ لِأَنَّ التَّكَبُّرَ بِالْحَقِّ لِلَّهِ وَحْدَهُ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي لَهُ الْقُدْرَةُ وَالْفَضْلُ الَّذِي لَيْسَ لِأَحَدٍ.

وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِها وَصَفَهُمْ هَذَا الْوَصْفَ الذَّمِيمَ وَهُوَ التَّكَبُّرُ عَنِ الْإِيمَانِ حَتَّى لَوْ عُرِضَتْ عَلَيْهِمْ كُلُّ آيَةٍ لَمْ يَرَوْهَا آيَةً فَيُؤْمِنُوا بِهَا وَهَذَا خَتْمٌ مِنْهُ تَعَالَى عَلَى الطَّائِفَةِ الَّتِي قَدَّرَ أَنْ لَا يُؤْمِنُوا. وَقَرَأَ مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ: وَإِنْ يَرَوْا بِضَمِّ الْيَاءِ.

وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا.

أَرَاهُمُ اللَّهُ السَّبِيلَيْنِ فَرَأَوْهُمَا فَآثَرُوا الْغَيَّ عَلَى الرُّشْدِ كَقَوْلِهِ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى «٢» . وَقَرَأَ الْأَخَوَانِ الرَّشَدِ وَبَاقِي السَّبْعَةِ الرُّشْدِ، وَعَنِ ابْنِ عَامِرٍ فِي رِوَايَةٍ إِتْبَاعُ الشِّينِ ضَمَّةَ الرَّاءِ وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الرَّشَادِ وَهِيَ مَصَادِرُ كَالسَّقَمِ وَالسُّقْمِ وَالسَّقَامِ، وَقَالَ أَبُو عَمْرِو بْنُ العلاء: الرُّشْدِ الصَّلَاحُ فِي النَّظَرِ وَبِفَتْحِهِمَا الدِّينُ، وَقَرَأَ ابْنُ أَبِي عَبْلَةَ لَا يَتَّخِذُوهَا وَيَتَّخِذُوهَا عَلَى تَأْنِيثِ السَّبِيلِ وَالسَّبِيلُ تُذَكَّرُ وَتُؤَنَّثُ، قَالَ تَعَالَى: قُلْ هذِهِ سَبِيلِي «٣» وَلَمَّا نَفَى عَنْهُمُ الْإِيمَانَ وَهُوَ مِنْ أَفْعَالِ الْقَلْبِ اسْتَعَارَ لِلرُّشْدِ وَالْغَيِّ سَبِيلَيْنِ فَذَكَرَ أَنَّهُمْ تَارِكُو سَبِيلَ الرُّشْدِ سَالِكُو سَبِيلَ الْغَيِّ وَنَاسَبَ تَقْدِيمُ جُمْلَةِ الشَّرْطِ الْمُتَضَمِّنَةِ سَبِيلَ الرُّشْدِ عَلَى مُقَابَلَتِهَا لِأَنَّهَا قَبْلَهَا.

وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِها فَذَكَرَ مُوجِبَ الْإِيمَانِ وَهُوَ الْآيَاتُ وَتَرَتَّبَ نَقِيضُهُ عَلَيْهِ وَأَتْبَعَ ذَلِكَ بِمُوجِبِ الرُّشْدِ وَتَرَتَّبَ نَقِيضُهُ عَلَيْهِ ثُمَّ جَاءَتِ الْجُمْلَةُ بَعْدَهَا مُصَرِّحَةً بِسُلُوكِهِمْ سَبِيلَ الْغَيِّ وَمُؤَكَّدَةً لِمَفْهُومِ الْجُمْلَةِ الشَّرْطِيَّةِ قَبْلَهَا لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ تَرْكِ سَبِيلِ الرُّشْدِ سُلُوكُ سَبِيلِ الْغَيِّ لِأَنَّهُمَا إِمَّا هُدًى أَوْ ضَلَالٌ فَهُمَا نَقِيضَانِ إِذَا انْتَفَى أَحَدُهُمَا ثَبَتَ الْآخَرُ.

ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ. أَيْ ذَلِكَ الصَّرْفُ عَنِ الْآيَاتِ هُوَ سَبَبُ تَكْذِيبِهِمْ بِهَا وَغَفْلَتِهِمْ عَنِ النَّظَرِ فِيهَا وَالتَّفَكُّرِ فِي دَلَالَتِهَا وَالْمَعْنَى أَنَّهُمُ اسْتَمَرَّ كَذِبُهُمْ وَصَارَ لَهُمْ ذَلِكَ دَيْدَنًا حَتَّى صَارَتْ تِلْكَ الْآيَاتُ لَا تَخْطُرُ لَهُمْ بِبَالٍ فَحَصَلَتِ الْغَفْلَةُ عَنْهَا وَالنِّسْيَانُ لَهَا حَتَّى كَانُوا لَا يَذْكُرُونَهَا وَلَا شَيْئًا مِنْهَا وَالظَّاهِرُ أَنَّ الصَّرْفَ سَبَبُهُ التَّكْذِيبُ وَالْغَفْلَةُ من جميعهم ويحتمل أن الصَّرْفَ سَبَبُهُ التَّكْذِيبُ وَيَكُونُ قَوْلُهُ: وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ اسْتِئْنَافَ إِخْبَارٍ مِنْهُ تَعَالَى عَنْهُمْ أَيْ مِنْ شَأْنِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا غَافِلِينَ عَنِ الآيات وتدبرها


(١) سورة المائدة: ٥/ ٥٤.
(٢) سورة فصلت: ٤١/ ١٧.
(٣) سورة يوسف: ١٢/ ١٠٨. [.....]

<<  <  ج: ص:  >  >>