للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَأَوْرَثَتْهُمُ الْغَفْلَةُ التَّكْذِيبَ بِهَا وَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ بِأَنَّهُمْ أَيْ ذَلِكَ الصَّرْفُ كَائِنٌ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا وَجَوَّزُوا أَنْ يَكُونَ مَنْصُوبًا فَقَدَّرَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ فَعَلْنَا ذَلِكَ، وَقَدَّرَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ صَرَفَهُمُ اللَّهُ ذَلِكَ الصَّرْفَ بِعَيْنِهِ وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى: سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ إِشْعَارٌ بِأَنَّ الصَّرْفَ سَبَبُهُ هَذَا التَّكَبُّرُ وَفِي قَوْلِهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا إِعْلَامٌ بِأَنَّ ذَلِكَ الصَّرْفَ سَبَبُهُ التَّكْذِيبُ وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا أَنَّ التَّكَبُّرَ سَبَبٌ أَوَّلُ نَشَأَ عَنْهُ التَّكْذِيبُ فَنِسْبَةُ الصَّرْفِ إِلَى السَّبَبِ الْأَوَّلِ وَإِلَى مَا تَسَبَّبَ عَنْهُ.

وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَلِقاءِ الْآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كانُوا يَعْمَلُونَ ذَكَرَ تَعَالَى مَا يَؤُولُ إِلَيْهِ فِي الْآخِرَةِ أَمْرُ الْمُكَذِّبِينَ فَذَكَرَ أَنَّهُ يُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ أَيْ لَا يَعْبَأُ بِهَا وَأَصْلُ الْحَبْطِ أَنْ يَكُونَ فِيمَا تَقَدَّمَ صَلَاحُهُ فَاسْتُعْمِلَ الْحُبُوطُ هُنَا إِذَا كَانَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي مُعْتَقَدَاتِهِمْ جَارِيَةً عَلَى طَرِيقٍ صَالِحٍ فَكَانَ الْحَبْطُ فِيهَا بِحَسَبَ مُعْتَقَدَاتِهِمْ إِذِ الْمُكَذِّبُ بِالْآيَاتِ قَدْ يَكُونُ لَهُ عَمَلٌ فِيهِ إِحْسَانٌ لِلنَّاسِ وَصَفْحٌ وَعَفْوٌ عَمَّنْ جَنَى عَلَيْهِ وَكُلُّ ذَلِكَ لَا يُجَازَى عَلَيْهِ فِي الْآخِرَةِ فَشَمَلَ حَبْطُ الْأَعْمَالِ مَنْ لَهُ عَمَلٌ بَرٌّ وَمَنْ عَمَلُهُ مِنْ أَوَّلِ مَرَّةٍ فَاسِدٌ وَنَبَّهَ بِلِقَاءِ الْآخِرَةِ عَلَى مَحَلِّ افْتِضَاحِهِمْ وَجَزَائِهِمْ وَتَهْدِيدًا لَهُمْ وَوَعِيدًا بِهَا وَأَنَّهَا كَائِنَةٌ لَا مَحَالَةَ وَإِضَافَةُ لِقاءِ إِلَى الْآخِرَةِ إِضَافَةُ الْمَصْدَرِ إِلَى الْمَفْعُولِ أَيْ وَلِقَائِهِمُ الْآخِرَةَ.

قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَيَجُوزُ أَنْ يكون من إِضَافَةِ الْمَصْدَرِ إِلَى الْمَفْعُولِ بِهِ أَيْ وَلِقَائِهِمُ الْآخِرَةَ وَمُشَاهَدَتِهِمْ أَحْوَالَهَا وَمِنْ إِضَافَةِ الْمَصْدَرِ إِلَى الظَّرْفِ بِمَعْنَى وَلِقَاءِ مَا وَعَدَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْآخِرَةِ انْتَهَى. ولا يجيز جِلَّةُ النَّحْوِيِّينَ الْإِضَافَةَ إِلَى الظَّرْفِ لِأَنَّ الظَّرْفَ هُوَ عَلَى تَقْدِيرِ فِي وَالْإِضَافَةُ عِنْدَهُمْ إِنَّمَا هِيَ عَلَى تَقْدِيرِ اللَّامِ أَوْ تَقْدِيرِ مِنْ عَلَى مَا بُيِّنَ فِي عِلْمِ النَّحْوِ فَإِنِ اتُّسِعَ فِي الْعَامِلِ جَازَ أَنْ يَنْصِبَ الظَّرْفَ نَصْبَ الْمَفْعُولِ بِهِ وَجَازَ إِذْ ذَاكَ أَنْ يُضَافَ مُصْدَرُهُ إِلَى ذَلِكَ الظَّرْفِ الْمُتَّسَعِ فِي عَامِلِهِ وَأَجَازَ بَعْضُ النَّحْوِيِّينَ أَنْ تَكُونَ الْإِضَافَةُ عَلَى تَقْدِيرِ فِي كَمَا يُفْهِمُهُ ظَاهِرُ كَلَامِ الزَّمَخْشَرِيِّ، وَهُوَ مَذْهَبٌ مَرْدُودٌ فِي علم النحو. وهَلْ يُجْزَوْنَ اسْتِفْهَامٌ بِمَعْنَى التَّقْرِيرِ أَيْ يَسْتَوْجِبُونَ بِسُوءِ فِعْلِهِمُ الْعُقُوبَةَ، قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ اسْتِفْهَامٌ بِمَعْنَى النَّفْيِ وَلِذَلِكَ دَخَلَتْ إِلَّا وَالِاسْتِفْهَامُ الَّذِي هُوَ بِمَعْنَى التَّقْرِيرِ هُوَ مُوجِبٌ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى فَيَبْعُدُ دُخُولُ إِلَّا وَلَعَلَّهُ لَا يَجُوزُ.

وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَداً لَهُ خُوارٌ. إِنْ كَانَ الِاتِّخَاذُ بِمَعْنَى اتِّخَاذِهِ إِلَهًا مَعْبُودًا فَصَحَّ نِسْبَتُهُ إِلَى الْقَوْمِ وَذُكِرَ أَنَّهُمْ كُلَّهُمْ عَبَدُوهُ غَيْرَ هَارُونَ وَلِذَلِكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>