للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سَأُرِيكُمْ وَهِيَ لُغَةٌ فَاشِيَةٌ بِالْحِجَازِ يُقَالُ: أَوْرِنِي كَذَا وَأَوْرَيْتُهُ فَوَجْهُهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَوْرَيْتُ الزَّنْدَ كَأَنَّ الْمَعْنَى بينه لي وأثره لِأَسْتَبِينَهُ انْتَهَى، وَهِيَ أَيْضًا فِي لُغَةِ أَهْلِ الْأَنْدَلُسِ كَأَنَّهُمْ تَلَقَّفُوهَا مِنْ لُغَةِ الْحِجَازِ وَبَقِيَتْ فِي لِسَانِهِمْ إِلَى الْآنِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُنْظَرَ فِي تَحَقُّقِ هَذِهِ اللُّغَةِ أَهِيَ فِي لُغَةِ الْحِجَازِ أَمْ لَا، وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَسَامَةُ بْنُ زُهَيْرٍ سَأُورِثُكُمْ، قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ وَهِيَ قِرَاءَةٌ حَسَنَةٌ يُصَحِّحُهَا قَوْلُهُ تَعَالَى وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ «١» .

سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ لَمَّا ذَكَرَ سَأُرِيكُمْ دارَ الْفاسِقِينَ ذَكَرَ مَا يَفْعَلُ بِهِمْ تَعَالَى مِنْ صَرْفِهِ إِيَّاهُمْ عَنْ آيَاتِهِ لِفِسْقِهِمْ وَخُرُوجِهِمْ عَنْ طَوْرِهِمْ إِلَى وَصْفٍ لَيْسَ لَهُمْ ثُمَّ ذَكَرَ تَعَالَى مِنْ أَحْوَالِهِمْ مَا اسْتَحَقُّوا بِهِ اسْمَ الْفِسْقِ، قَالَ ابْنُ جُبَيْرٍ سَأَصْرِفُهُمْ عَنِ الِاعْتِبَارِ وَالِاسْتِدْلَالِ بِالدَّلَائِلِ وَالْآيَاتِ عَلَى هَذِهِ الْمُعْجِزَاتِ وَبَدَائِعِ الْمَخْلُوقَاتِ، وَقَالَ قَتَادَةُ: سَأَصُدُّهُمْ عَنِ الْإِعْرَاضِ وَالطَّعْنِ وَالتَّحْرِيفِ وَالتَّبْدِيلِ وَالتَّغْيِيرِ فَالْآيَاتُ الْقُرْآنُ فَإِنَّهُ مُخْتَصٌّ بِصَوْنِهِ عَنْ ذَلِكَ، وَقَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ سَأَمْنَعُهُمْ مِنْ تَدَبُّرِهَا وَنَظَرِهَا النَّظَرِ الصَّحِيحِ الْمُؤَدِّي إِلَى الْحَقِّ، وَقَالَ الزَّجَّاجَ: أَجْعَلُ جَزَاءَهُمْ الإضلال عن الاهتداء باياتي والآيات على هذا التوراة والإنجيل أو الكتب المنزلة، وقيل سَأَصْرِفُهُمْ عَنْ دَفْعِ الِانْتِقَامِ أَيْ إِذَا أَصَابَتْهُمْ عُقُوبَةٌ لَمْ يَدْفَعْهَا عَنْهُمْ فَالْآيَاتُ عَلَى هَذَا مَا حَلَّ بِهِمْ مِنَ الْمَثُلَاتِ الَّتِي صَارُوا بِهَا مُثْلَةً وَعِبْرَةً وَعَلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ يَكُونُ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ عَامٌّ أَيْ كُلُّ مَنْ قَامَ بِهِ هَذَا الْوَصْفُ، وَقِيلَ: هَذَا مِنْ تَمَامِ خِطَابِ مُوسَى، وَالْآيَاتُ هِيَ التِّسْعُ الَّتِي أُعْطِيهَا وَالْمُتَكَبِّرُونَ هُمْ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ عَنِ الِاعْتِبَارِ بِهَا بِمَا انْهَمَكُوا فِيهِ مِنْ لَذَّاتِ الدُّنْيَا وَأَخَذَ الزَّمَخْشَرِيُّ بَعْضَ أَقْوَالِ الْمُفَسِّرِينَ فَقَالَ سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ بِالطَّبْعِ عَلَى قُلُوبِ الْمُتَكَبِّرِينَ وَخِذْلَانِهِمْ فَلَا يُفَكِّرُونَ فِيهَا وَلَا يَعْتَبِرُونَ بِهَا غَفْلَةً وَانْهِمَاكًا فِيمَا يَشْغَلُهُمْ عَنْهَا مِنْ شَهَوَاتِهِمْ وَفِيهِ إِنْذَارُ الْمُخَاطَبِينَ مِنْ عَاقِبَةِ وَالَّذِينَ يُصْرَفُونَ عَنِ الْآيَاتِ لِتَكَبُّرِهِمْ وَكُفْرِهِمْ بِهَا لِئَلَّا يَكُونُوا مِثْلَهُمْ فَيَسْلُكُ بِهِمْ سَبِيلَهُمْ انْتَهَى، والَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ عَنِ الْإِيمَانِ قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: هُمُ الْكَفَرَةُ وَالْمَعْنَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ سَأَجْعَلُ الصَّرْفَ عَنِ الْآيَاتِ عُقُوبَةَ الْمُتَكَبِّرِينَ عَلَى تَكَبُّرِهِمْ انْتَهَى، وَقِيلَ هُمُ الَّذِينَ يَحْتَقِرُونَ النَّاسَ وَيَرَوْنَ لَهُمُ الْفَضْلَ عَلَيْهِمْ،

وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ إِنَّمَا الْكِبْرُ أَنْ تُسَفِّهَ الْحَقَّ وَتَغْمِصَ النَّاسَ

ويتعلق بغير الحق بيتكبرون أَيْ بِمَا لَيْسَ بِحَقٍّ وَمَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ دِينِهِمْ وَقَدْ يَكُونُ التَّكَبُّرُ بالحقّ كتكبّر المحقّ


(١) سورة الأعراف: ٧/ ١٣٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>