الْأَوَّلُ أَحْسَنُ وَانْظُرْ إِلَى اخْتِلَافِ مُتَعَلِّقِ الْأَمْرَيْنِ أُمِرَ مُوسَى بِأَخْذِ جَمِيعِهَا، فَقِيلَ: فَخُذْها بِقُوَّةٍ وَأَكَّدَ الْأَخْذَ بِقَوْلِهِ بِقُوَّةٍ وَأُمِرُوا هُمْ أَنْ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِها وَلَمْ يُؤَكِّدْ لِيُعْلِمَ أَنَّ رُتْبَةَ النُّبُوَّةِ أَشُقُّ فِي التَّكْلِيفِ مِنَ رُتْبَةِ التَّابِعِ وَلِذَلِكَ فُرِضَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِيَامُ اللَّيْلِ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ التَّكَالِيفِ الْمُخْتَصَّةِ بِهِ وَالْإِرَاءَةُ هُنَا مِنْ رُؤْيَةِ الْعَيْنِ وَلِذَلِكَ تَعَدَّتْ إِلَى اثْنَيْنِ ودارَ الْفاسِقِينَ مِصْرُ قَالَهُ عَلِيٌّ وَقَتَادَةُ وَمُقَاتِلٌ وَعَطِيَّةُ الْعَوْفِيُّ وَالْفَاسِقُونَ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ.
قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ كَيْفَ أَقْفَرَتْ مِنْهُمْ وَدُمِّرُوا لِفِسْقِهِمْ لِتَعْتَبِرُوا فَلَا تَفْسُقُوا مِثْلَ فِسْقِهِمْ فَيُنَكَّلُ بِكُمْ مِثْلُ نَكَالِهِمْ انْتَهَى، وَقِيلَ الْمَعْنَى: سَأُرِيكُمْ مَصَارِعَ الْكُفَّارِ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا أَغْرَقَ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ أَوْحَى إِلَى الْبَحْرِ أَنِ اقْذِفْ أَجْسَادَهُمْ إِلَى السَّاحِلِ فَفَعَلَ فَنَظَرَ إِلَيْهِمْ بَنُو إِسْرَائِيلَ فَأَرَاهُمْ مَصَارِعَ الْفَاسِقِينَ، وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: مَا مَرُّوا عَلَيْهِ إِذَا سَافَرُوا مِنْ مَصَارِعِ عَادٍ وَثَمُودَ وَالْقُرُونِ الَّذِينَ أُهْلِكُوا، وَقَالَ قَتَادَةُ أَيْضًا الشَّامُ وَالْمُرَادُ الْعَمَالِقَةُ الَّذِينَ أُمِرَ مُوسَى بِقِتَالِهِمْ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَالْحَسَنُ: دارَ الْفاسِقِينَ جَهَنَّمُ وَالْمُرَادُ الْكَفَرَةُ بِمُوسَى وَغَيْرِهِ، وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: سَأُرِيكُمْ مِنْ رُؤْيَةِ الْقَلْبِ أَيْ سَأُعْلِمُكُمْ سِيَرَ الْأَوَّلِينَ وَمَا حَلَّ بِهِمْ مِنَ النَّكَالِ، وَقِيلَ دارَ الْفاسِقِينَ أَيْ مَا دَارَ إِلَيْهِ أَمْرُهُمْ وَهَذَا لَا يُدْرَكُ إِلَّا بِالْأَخْبَارِ الَّتِي يُحَدِّثُ عَنْهَا الْعِلْمُ وَهَذَا قَرِيبٌ مِنْ قَوْلِ ابْنُ زَيْدٍ، وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَلَوْ كَانَ مِنْ رُؤْيَةِ الْقَلْبِ لَتَعَدَّى بِالْهَمْزَةِ إِلَى ثَلَاثَةٍ وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ الْمَفْعُولُ الثَّالِثُ يَتَضَمَّنُهُ الْمَعْنَى فَهُوَ مُقَدَّرٌ أَيْ مُدَمَّرَةً أَوْ خَرِبَةً أَوْ مُسَعَّرَةً عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ إنها جَهَنَّمُ قِيلَ لَهُ: لَا يَجُوزُ حَذْفُ هَذَا الْمَفْعُولِ ولا الاقتصار دُونَهُ لِأَنَّهَا دَاخِلَةٌ عَلَى الِابْتِدَاءِ وَالْخَبَرُ وَلَوْ جُوِّزَ لَكَانَ عَلَى قُبْحٍ فِي اللِّسَانِ لَا يَلِيقُ بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى انْتَهَى، وَحَذْفُ الْمَفْعُولِ الثَّالِثِ فِي بَابِ أَعْلَمَ لِدَلَالَةِ الْمَعْنَى عَلَيْهِ جَائِزٌ فَيَجُوزُ فِي جَوَابِ هَلْ أَعْلَمْتَ زَيْدًا عَمْرًا مُنْطَلِقًا أَعْلَمْتَ زَيْدًا عَمْرًا وَيُحْذَفُ مُنْطَلِقًا لِدَلَالَةِ الْكَلَامِ السَّابِقِ عَلَيْهِ وَأَمَّا تَعْلِيلُهُ لِأَنَّهَا دَاخِلَةٌ عَلَى الِابْتِدَاءِ وَالْخَبَرُ لَا يَدُلُّ عَلَى الْمَنْعِ لِأَنَّ خَبَرَ الْمُبْتَدَأِ يَجُوزُ حَذْفُهُ اخْتِصَارًا وَالثَّانِي والثالث في بام أَعْلَمَ يَجُوزُ حَذْفُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا اخْتِصَارًا وَفِي قَوْلِهِ لِأَنَّهَا أَيْ سَأُرِيكُمْ داخلة على المبتدأ والخبر فِيهِ تَجَوٌّزٌ وَيَعْنِي أَنَّهَا قَبْلَ النَّقْلِ بِالْهَمْزَةِ فَكَانَتْ داخلة على المبتدأ والخبر، وقرأ الحسن: سَأُرِيكُمْ بِوَاوٍ سَاكِنَةٍ بَعْدَ الْهَمْزَةِ عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ رَسْمُ الْمُصْحَفِ وَوُجِّهَتْ هَذِهِ الْقِرَاءَةُ بِوَجْهَيْنِ، أَحَدِهِمَا: مَا ذَكَرَهُ أَبُو الْفَتْحِ وَهُوَ أَنَّهُ أشبع الضمة ومطّلها فَنَشَأَ عَنْهَا الْوَاوُ قَالَ: وَيَحْسُنُ احْتِمَالُ الْوَاوِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ أَنَّهُ مَوْضِعُ وَعِيدٍ وَإِغْلَاظٍ فَمَكَّنَ الصَّوْتَ فِيهِ انْتَهَى، فَيَكُونُ كَقَوْلِهِ أدنو فانظر رَأَى فَأَنْظُرُ، وَهَذَا التَّوْجِيهُ ضَعِيفٌ لِأَنَّ الْإِشْبَاعَ بَابُهُ ضَرُورَةُ الشِّعْرِ، وَالثَّانِي: مَا ذَكَرَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ قَالَ وَقَرَأَ الحسن
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute