حَفِظَكُمُ اللَّهُ لَا لِلْأَفْضَلِيَّةِ فَعَلْتُ، وَلَكِنْ سَمِعْتُ وَتَأَكَّدَ عِنْدِي أَنَّ أَشْخَاصًا يَنْتَمُونَ لِطَلَبِ الْعِلْمِ يَقُولُونَ لَا يَصِحُّ الْإِفْرَادُ بِالْحَجِّ وَيُلْزِمُونَ الْمُفْرِدِينَ بِالتَّحَلُّلِ بِعُمْرَةٍ. وَهَذَا الْعَمَلُ لَا يَتَنَاسَبُ مَعَ الْعَدِيدِ مِنْ وُفُودِ بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ، كُلٌّ بِمَا اخْتَارَ مَنْ نُسُكٍ وَكُلٌّ يَعْمَلُ بِمَذْهَبٍ صَحِيحٍ، وَجَرَتْ مُحَادَثَةٌ مِنْ أَنْفَسِ مَا سَمِعْتُ فِي تَقْرِيرِ هَذَا الْبَحْثِ مِنْ مُنَاقَشَةِ الْأَدِلَّةِ وَبَيَانِ الرَّاجِحِ. وَأَخِيرًا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: إِنَّهُ لَا يَعْنِينِي بَيَانُ الْأَفْضَلِ فَهَذَا أَمْرٌ مُخْتَلَفٍ فِيهِ وَكُلٌّ يَخْتَارُ مَا يَتَرَجَّحُ عِنْدَهُ. وَلَكِنْ يَعْنِينِي إِبْطَالُ الْقَوْلِ بِالْمَنْعِ مِنْ صِحَّةِ إِفْرَادِ الْحَجِّ لِأَنَّهُ قَوْلٌ لَمْ يُسْبَقْ إِلَيْهِ، وَالْأُمَّةُ مُجْمِعَةٌ عَلَى صِحَّتِهِ. فَمَا كَانَ مِنْ سَمَاحَةِ الْمُفْتِي رَحِمَهُ اللَّهُ إِلَّا أَنِ اسْتَحْسَنَ قَوْلَهُ وَدَعَا لَهُ.
وَلَكَأَنِيٍّ بِهَذَا الْعَمَلِ مِنَ الشَّيْخِ رَحِمَهُ اللَّهُ الَّذِي أَرَادَ بِهِ الْبَيَانَ عَمَلِيًّا صُورَةً مِمَّا وَقَعَ مِنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حِينَمَا بَلَغَهُ عَنْ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ يَنْهَى عَنِ التَّمَتُّعِ فَدَخَلَ عَلَيْهِ وَقَالَ: كَيْفَ تَنْهَى عَنْ شَيْءٍ فَعَلْنَاهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ وَهُوَ يَقُولُ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ حَجًّا وَعُمْرَةً.
أَمَّا لِينُهُ مَعَ الْحَقِّ وَرُجُوعُهُ إِلَى مَا ظَهَرَ لَهُ مِنْهُ، فَفِي آخِرِ دُرُوسِهِ فِي الْحَرَمِ النَّبَوِيِّ فِي رَمَضَانَ الْمَاضِي فِي سُورَةِ «بَرَاءَةٌ» أَعْلَنَ عَنْ رُجُوعِهِ عَنِ الْقَوْلِ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ بِأَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ. وَقَالَ: الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهَا مُحْكَمَةٌ وَلَيْسَتْ مَنْسُوخَةً. وَكُنَّا نَقُولُ بِنَسْخِهَا فِي دَفْعِ إِيهَامِ الِاضْطِرَابِ، وَلَكِنْ ظَهَرَ لَنَا بِالتَّأَمُّلِ أَنَّهَا مُحْكَمَةٌ. وَهُوَ الْحَقُّ الَّذِي يَنْبَغِي اعْتِمَادُهُ وَالتَّعْوِيلُ عَلَيْهِ.
وَمِمَّا وَقَعَ لِي مَعَهُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَأَكْبَرْتُهُ فِيهِ تَوَاضُعُهُ وَإِنْصَافُهُ سَمِعْتُ مِنْهُ فِي مَبْحَثِ زَكَاةِ الْحُلِيِّ فِي أَضْوَاءِ الْبَيَانِ عِنْدَ سَرْدِ الْأَدِلَّةِ وَمُنَاقَشَتِهَا، أَنَّ مِنْ أَدِلَّةِ الْمُوجِبِينَ حَدِيثُ الْمَرْأَةِ الْيَمَنِيَّةِ وَمَعَهَا ابْنَتُهَا وَفِي يَدِ ابْنَتِهَا مَسَكَتَانِ غَلِيظَتَانِ مِنْ ذَهَبٍ، فَسَأَلَهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتُؤَدِّينَ زَكَاةَ هَذَا؟ فَقَالَتْ: لَا. فَقَالَ: هُمَا حَسْبُكِ مِنَ النَّارِ. فَخَلَعَتْهُمَا وَأَلْقَتْ بِهِمَا.
وَأَجَابَ الْمَانِعُونَ بِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ إِبَاحَةِ الذَّهَبِ لِلنِّسَاءِ، فَتَسَاءَلْتُ مُسْتَوْضِحًا مِنْهُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَمَاذَا يُسَمَّى هَذَا مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُكُوتُهُ عَنْ لُبْسِهِ وَهُوَ مُحَرَّمٌ وَسُؤَالُهُ عَنْ زَكَاتِهِ، فَقَالَ: عَجَبًا إِنَّ هَذَا يَتَضَمَّنُ وُجُودَ اللُّبْسِ عِنْدَ السُّؤَالِ، وَيَدُلُّ عَلَى إِبَاحَتِهِ آنَذَاكَ، لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُقِرُّ أَحَدًا عَلَى مُحَرَّمٍ وَلَا يَتَأَتَّى أَنْ يَسْكُتَ عَلَى لُبْسِهَا إِيَّاهُ وَهُوَ مَمْنُوعٌ وَيَهْتَمُّ لِزَكَاتِهِ وَلَوْ أُعِيدَ طَبْعُ الْكِتَابِ لَنَبَّهْتُ عَلَيْهِ رَغْمَ أَنَّ جَمِيعَ الْمَرَاجِعِ لَمْ تَلْتَفِتْ إِلَيْهِ، فَهُوَ بِهَذَا يُلَقِّنُ طَلَبَةَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute