الْعِلْمِ دَرْسًا فِي مَوْقِفِهِ مِنَ الْحَقِّ، وَلَكَأَنِيٍّ بِكَلَامِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي كِتَابِهِ لِأَبِي مُوسَى رَحِمَهُ اللَّهُ: وَلَا يَمْنَعَنَّكَ قَضَاءٌ قَضَيْتَهُ بِالْأَمْسِ، ثُمَّ رَاجَعْتَ فِيهِ نَفْسَكَ وَظَهَرَ لَكَ الْحَقُّ، أَنْ تَأْخُذَ بِهِ، فَالْحَقُّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ. وَقَدْ رَأَيْنَا مِنْ قَبْلُ لِلشَّافِعِيِّ الْقَدِيمَ وَالْجَدِيدَ. وَهَذَا مَا يَقْتَضِيهِ إِنْصَافُ الْعُلَمَاءِ وَأَمَانَةُ الْعِلْمِ.
هَذَا مَا وَسِعَنِي ذِكْرُهُ عَنْ حَيَاتِهِ الْعِلْمِيَّةِ فِي نَشْأَتِهِ وَتَعَلُّمِهِ وَتَعْلِيمِهِ، وَعَنْ تُرَاثِهِ الْعِلْمِيِّ فِي مُؤَلَّفَاتِهِ وَآثَارِهِ التَّرْبَوِيَّةِ فِي أَبْنَائِهِ وَأَبْنَاءِ الْعَالَمِ الْإِسْلَامِيِّ كُلِّهِ، رَحِمَهُ اللَّهُ رَحْمَةً وَاسِعَةً.
وَلَعَلَّ مِنْ أَبْنَائِهِ الْحُضُورِ أَوْ غَيْرِهِمْ مَنْ لَدَيْهِ الْمَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ.
أَمَّا النَّاحِيَةُ الشَّخْصِيَّةُ: فِي تَقْوِيمِهِ الشَّخْصِيِّ لِسُلُوكِهِ، وَأَخْلَاقِهِ، وَآدَابِهِ، وَكَرْمِهِ، وَعِفَّتِهِ، وَزُهْدِهِ وَتَرَفُّعِ نَفْسِهِ وَمَا إِلَى ذَلِكَ. فَهَذَا مَا يَسْتَحِقُّ أَنَّ يُفْرَدَ بِحَدِيثٍ، وَإِنِّي لَا أَسْتَطِيعُ الْآنَ تَصْوِيرَهُ وَلَا يَسَعُنِي فِي هَذَا الْوَقْتِ تَفْصِيلُهُ. وَمَا كَانَ رَحِمَهُ اللَّهُ يُحِبُّ أَنْ يُذْكَرَ عَنْهُ شَيْءٌ فِي ذَلِكَ وَلَكِنْ عَلَى سَبِيلِ الْإِجْمَالِ لَوْ أَنَّ لِلْفَضَائِلِ وَالْمَكْرُمَاتِ وَالشِّيَمِ وَصِفَاتِ الْكَمَالِ فِي الرِّجَالِ عُنْوَانًا يَجْمَعُهَا لَكَانَ هُوَ أَحَقَّ بِهِ.
وَإِذَا كَانَ عُلَمَاءُ الْأَخْلَاقِ يُعَنْوِنُونَ لِأُصُولِ الْأَخْلَاقِ وَالْفَضَائِلِ بِالْمُرُوءَةِ فَإِنَّ الْمُرُوءَةَ كَانَتْ شِعَارَهُ وَدِثَارَهُ. وَكَانَتْ هِيَ الَّتِي تَحْكُمُهُ فِي جَمِيعِ تَصَرُّفَاتِهِ سَوَاءٌ فِي نَفْسِهِ أَوْ مَعَ إِخْوَانِهِ وَطُلَّابِهِ أَوْ مَعَ غَيْرِهِمْ، مَنْ عَرَفَهُمْ أَوْ لَمْ يَعْرِفْهُمْ. وَقَدْ قَالَ فِيهِ بَعْضُ النَّاسِ فِي حَيَاتِهِ: إِنَّهُ لَا عَيْبَ فِيهِ سِوَى عَيْبٍ وَاحِدٍ، هُوَ أَنَّنَا نَفْقِدُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ.
وَإِنَّ تَفْصِيلَ ذَلِكَ لَمَتْرُوكٌ لِمَنْ خَالَطَهُ عَنْ قُرْبٍ. وَقَدِ اسْتَعْصَى عَلَيَّ الْمُقَالُ فِي ذَلِكَ وَلِكَأَنِيٍّ بِقَوْلِ الْقَائِلِ:
أَهَابُكَ إِجْلَالًا وَمَا بِكَ سُلْطَةٌ ... عَلَيَّ وَلَكِنْ مَلْءُ عَيْنٍ حَبِيبُهَا
وَلَكِنْ قَدْ تَكْفِي الْإِشَارَةُ إِذَا لَمْ تُسْعِفِ الْعِبَارَةُ. وَأَقْرَبُ شَيْءٍ زُهْدُهُ فِي الدُّنْيَا وَعِفَّتُهُ عَمَّا فِي أَيْدِي النَّاسِ، وَكَرَمُهُ بِمَا فِي يَدِهِ: لِأَنَّ هَذَا لَا يُعْلَمُ إِلَّا لِمَنْ خَالَطَهُ، وَلَيْسَ كُلُّ مَنْ خَالَطَهُ يَعْرِفُ ذَلِكَ مِنْهُ بَلْ مَنْ دَاخَلَهُ وَلَازَمَهُ.
وَالْوَاقِعُ أَنَّ الدُّنْيَا لَمْ تَكُنْ تُسَاوِي عِنْدَهُ شَيْئًا فَلَمْ يَكُنْ يَهْتَمُّ لَهَا. وَمُنْذُ وُجُودِهِ فِي الْمَمْلَكَةِ وَصِلَتِهِ بِالْحُكُومَةِ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا لَمْ يَطْلُبْ عَطَاءً وَلَا مُرَتَّبًا وَلَا تَرْفِيعًا لِمُرَتَّبِهِ وَلَا حُصُولًا عَلَى مُكَافَأَةٍ أَوْ عِلَاوَةٍ وَلَكِنْ مَا جَاءَهُ مِنْ غَيْرِ سُؤَالٍ أَخَذَهُ، وَمَا حَصَلَ عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute