للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حَتَّى يُحِيطَ بِهِ ; لِأَنَّهُ اسْتَعْمَلَهُ اسْتِعْمَالَ الرِّدَاءِ، وَلَا بَأْسَ عِنْدَهُمْ بِاتِّقَاءِ الشَّمْسِ أَوِ الرِّيحِ بِالْيَدِ يَجْعَلُهَا عَلَى رَأْسِهِ أَوْ وَجْهِهِ. وَلَهُ وَضْعُ يَدِهِ عَلَى أَنْفِهِ مِنْ غُبَارٍ، أَوْ جِيفَةٍ مَرَّ بِهَا. وَيُسْتَحَبُّ ذَلِكَ لَهُ عِنْدَهُمْ، إِنْ مَرَّ عَلَى طِيبٍ وَتَلْزَمُ عِنْدَهُمُ الْفِدْيَةُ بِلُبْسِ الْقَبَاءِ، وَإِنْ لَمْ يُدْخِلْ يَدَهُ فِي كُمِّهِ، وَحَمَلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى مَا إِذَا أَدْخَلَ فِيهِ مَنْكِبَيْهِ، وَأَطْلَقَهُ بَعْضُهُمْ. وَلَا يَجُوزُ عِنْدَهُمْ أَنْ يُظَلِّلَ الْمُحْرِمُ عَلَى رَأْسِهِ، أَوْ وَجْهِهِ بِعَصًا فِيهَا ثَوْبٌ فَإِنْ فَعَلَ افْتَدَى، وَفِيهِ قَوْلٌ عِنْدَهُمْ: بَعْدَ لُزُومِ الْفِدْيَةِ، وَهُوَ الْحَقُّ. وَالْحَدِيثُ الَّذِي قَدَّمْنَا فِي التَّظْلِيلِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِثَوْبٍ يَقِيهِ الْحَرَّ، وَهُوَ يَرْمِي جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ: يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، وَعَلَى أَنَّهُ جَائِزٌ، فَالسُّنَّةُ أَوْلَى بِالِاتِّبَاعِ، وَأَجَازَ الْمَالِكِيَّةُ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَرْفَعَ فَوْقَ رَأْسِهِ شَيْئًا يَقِيهِ مِنَ الْمَطَرِ.

وَاخْتَلَفُوا فِي رَفْعِهِ فَوْقَهُ شَيْئًا يَقِيهِ مِنَ الْبَرْدِ. وَالْأَظْهَرُ الْجَوَازُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. لِدُخُولِهِ فِي مَعْنَى الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ، إِذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَذَى مِنَ الْبَرْدِ وَالْحَرِّ وَالْمَطَرِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: إِنَّ الْفِدْيَةَ الْمَذْكُورَةَ مَنْدُوبَةٌ لَا وَاجِبَةٌ. وَمَا يَذْكُرُهُ الْمَالِكِيَّةُ، مِنْ أَنَّ مَنْ لَمْ يَجِدِ الْإِزَارَ، يُكْرَهُ لَهُ لُبْسُ السَّرَاوِيلِ أَوْ يُمْنَعُ وَأَنَّ ذَلِكَ تَلْزَمُ فِيهِ الْفِدْيَةُ - خِلَافُ التَّحْقِيقِ لِلْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ، الَّذِي قَالَ فِيهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَمَنْ لَمْ يَجِدْ إِزَارًا فَلْيَلْبَسِ السَّرَاوِيلَ» وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ كَمَا تَقَدَّمَ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ مَنْ لَمْ يَجِدْ إِزَارًا، فَلَهُ لُبْسُ السَّرَاوِيلِ مِنْ غَيْرِ إِثْمٍ وَلَا فِدْيَةٍ، إِذْ لَوْ كَانَتِ الْفِدْيَةُ تَلْزَمُهُ لِبَيَّنَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ; لِأَنَّ الْبَيَانَ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ، وَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي الِاسْتِظْلَالِ بِالْخِبَاءِ، وَالْقُبَّةِ الْمَضْرُوبَةِ وَالْفُسْطَاطِ وَالشَّجَرَةِ، وَأَنْ يَرْمِيَ عَلَيْهَا ثَوْبًا. وَعَنْ مَالِكٍ مَنْعُ إِلْقَاءِ الثَّوْبِ عَلَى الشَّجَرَةِ، وَأَجَازَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنِ الْمَاجِشُونِ قِيَاسًا عَلَى الْخَيْمَةِ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ.

وَاعْلَمْ: أَنَّ الِاسْتِظْلَالَ بِالثَّوْبِ عَلَى الْعَصَا عِنْدَهُمْ إِذَا فَعَلَهُ وَهُوَ سَائِرٌ لَا خِلَافَ فِي مَنْعِهِ، وَلُزُومِ الْفِدْيَةِ فِيهِ، وَإِنْ فَعَلَهُ وَهُوَ نَازِلٌ فَفِيهِ خِلَافٌ عِنْدَهُمْ أَشَرْنَا لَهُ قَرِيبًا. وَالْحَقُّ: الْجَوَازُ مُطْلَقًا لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ ; لِأَنَّ مَا ثَبَتَتْ فِيهِ سُنَّةٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَجُوزُ الْعُدُولُ عَنْهُ إِلَى رَأْيِ مُجْتَهِدٍ مِنَ الْمُجْتَهِدِينَ، وَلَوْ بَلَغَ مَا بَلَغَ مِنَ الْعِلْمِ وَالْعَدَالَةِ ; لِأَنَّ سُنَّتَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حُجَّةٌ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ، وَلَيْسَ قَوْلُ أَحَدٍ حُجَّةً عَلَى سُنَّتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ صَحَّ عَلَى الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - أَنَّهُمْ كُلَّهُمْ قَالُوا: إِذَا وَجَدْتُمْ قَوْلِي يُخَالِفُ كِتَابًا أَوْ سُنَّةً، فَاضْرِبُوا بِقَوْلِي الْحَائِطَ، وَاتَّبِعُوا الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ. وَقَدْ قَالَ مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي صَحِيحِهِ: وَحَدَّثَنِي سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ، حَدَّثْنَا الْحَسَنُ بْنُ أَعْيَنَ، حَدَّثَنَا مَعْقِلٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ حُصَيْنٍ، عَنْ جَدَّتِهِ أُمِّ الْحُصَيْنِ قَالَ: سَمِعْتُهَا تَقُولُ: حَجَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

<<  <  ج: ص:  >  >>