للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَالَ فِي «الْمُغْنِي» : قَالَ أَحْمَدُ فِي مُحْرِمٍ حَزَمَ عِمَامَةً عَلَى وَسَطِهِ لَا تَعْقِدْهَا، وَيُدْخِلُ بَعْضُهَا فِي بَعْضٍ، ثُمَّ قَالَ: قَالَ طَاوُسٌ: رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ، وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ قَدْ شَدَّهَا عَلَى وَسَطِهِ، فَأَدْخَلَهَا هَكَذَا. وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ مِثْلَ هَذَا يَجُوزُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ لِضَرُورَةِ الْعَمَلِ خَاصَّةً، ثُمَّ قَالَ فِي «الْمُغْنِي» : وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشُقَّ أَسْفَلَ رِدَائِهِ نِصْفَيْنِ، وَيَعْقِدَ كُلَّ نِصْفٍ عَلَى سَاقٍ ; لِأَنَّهُ يُشْبِهُ السَّرَاوِيلَ، انْتَهَى مِنَ «الْمُغْنِي» . وَفِيهِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا: الْمَنْعُ، وَلُزُومُ الْفِدْيَةِ ; لِأَنَّهُ كَالسَّرَاوِيلِ، كَمَا قَالَ صَاحِبُ «الْمُغْنِي» .

وَالْوَجْهُ الثَّانِي:

لَا فِدْيَةَ فِي ذَلِكَ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، اهـ.

وَأَظْهَرُ قَوْلَيْ أَهْلِ الْعِلْمِ عِنْدِي: أَنَّ لُبْسَ الْخُفِّ الْمَقْطُوعِ، مَعَ وُجُودِ النَّعْلِ تَلْزَمُ بِهِ الْفِدْيَةُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: هُوَ أَنَّ الْمُحْرِمَ إِنْ لَبِسَ مَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ لُبْسُهُ لَزِمَتْهُ فِدْيَةُ الْأَذَى، وَيَسْتَوِي عِنْدَهُمُ: الْخِيَاطَةُ وَالْعَقْدُ وَالتَّزَرُّرُ وَالتَّخَلُّلُ وَالنَّسْخُ عَلَى هَيْئَةِ الْمَخِيطِ، وَلَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِذَلِكَ اللُّبْسِ، مِنْ حَرٍّ، أَوْ بَرْدٍ، أَوْ يَطُولَ زَمَنُهُ كَيَوْمٍ كَامِلٍ ; لِأَنَّ ذَلِكَ مَظِنَّةُ انْتِفَاعِهِ بِهِ مِنْ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ. أَمَّا إِذَا لَبِسَ الْمُحْرِمُ مَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ لُبْسُهُ، وَلَمْ يَنْتَفِعْ بِلُبْسِهِ مِنْ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ، وَلَمْ يَدُمْ لُبْسُهُ لَهُ يَوْمًا كَامِلًا، فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ عِنْدَهُمْ، وَمَشْهُورُ مَذْهَبِ مَالِكٍ: أَنَّ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَشُدَّ فِي وَسَطِهِ الْحِزَامَ ; لِأَجْلِ الْعَمَلِ خَاصَّةً، وَلَا يَعْقِدُهُ، وَأَنَّ لَهُ أَنْ يَسْتَثْفِرَ عِنْدَ الرُّكُوبِ وَالنُّزُولِ. وَعَنْهُ فِي الِاسْتِثْفَارِ لِلرُّكُوبِ وَالنُّزُولِ قَوْلٌ بِالْكَرَاهَةِ وَلَا فِدْيَةَ فِيهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ. وَالِاسْتِثْفَارُ: شَدُّ الْفَرْجِ بِخِرْقَةٍ عَرِيضَةٍ وَيَوْثَقُ طَرَفَاهَا إِلَى شَيْءٍ مَشْدُودٍ عَلَى الْوَسَطِ، وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ ثَفَرِ الدَّابَّةِ، الَّذِي يُجْعَلُ تَحْتَ ذَنَبِهَا، أَوْ مِنْ ثَفَرِ الدَّابَّةِ بِمَعْنَى: فَرْجِهَا، وَمِنْهُ قَوْلُ الْأَخْطَلِ:

جَزَى اللَّهُ عَنَّا الْأَعْوَرَيْنِ مَلَامَةَ ... وَفَرْوَةَ ثَفَرَ الثَّوْرَةِ الْمُتَضَاجِمِ

فَقَوْلُهُ: ثَفَرَ الثَّوْرَةِ يَعْنِي: فَرْجِ الْبَقَرَةِ، وَهُوَ بَدَلٌ مِنْ فَرْوَةِ، وَالْمُتَضَاجِمُ الْمَائِلُ وَهُوَ مَخْفُوضٌ بِالْمُجَاوَرَةِ ; لِأَنَّهُ صِفَةٌ لِلثَّفَرِ، وَهُوَ مَنْصُوبٌ. وَفَرْوَةُ: اسْمُ رَجُلٍ جَعَلَهُ فِي الْخُبْثِ، وَالْحَقَارَةِ كَأَنَّهُ فَرْجُ بَقَرَةٍ مَائِلٍ.

وَسَتْرُ الْمُحْرِمِ وَجْهَهُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، كَسَتْرِ رَأْسِهِ: تَلْزَمُ فِيهِ الْفِدْيَةُ، إِنْ سَتَرَ ذَلِكَ بِمَا يُعَدُّ سَاتِرًا كَالْمَخِيطِ، وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ مَا لَوْ سَتَرَهُ بِطِينٍ أَوْ جِلْدِ حَيَوَانٍ يُسْلَخُ، فَيُلْبَسُ، وَلَا يَمْنَعُ عِنْدَهُمْ لُبْسُ الْمَخِيطِ، إِذَا اسْتُعْمِلَ اسْتِعْمَالَ غَيْرِ الْمَخِيطِ، كَأَنْ يَجْعَلَ الْقَمِيصَ إِزَارًا أَوْ رِدَاءً ; لِأَنَّهُ إِذَا ارْتَدَى بِالْقَمِيصِ مَثَلًا، لَمْ يَدْخُلْ فِيهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>