حَجَّةَ الْوَدَاعِ، فَرَأَيْتُهُ حِينَ رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ وَانْصَرَفَ، وَهُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ، وَمَعَهُ بِلَالٌ، وَأُسَامَةُ أَحَدُهُمَا يَقُودُ بِهِ رَاحِلَتَهُ، وَالْآخَرُ رَافِعٌ ثَوْبَهُ عَلَى رَأْسِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الشَّمْسِ. الْحَدِيثَ. وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ، عَنْ أُمِّ الْحُصَيْنِ: فَرَأَيْتُ أُسَامَةَ وَبِلَالًا وَأَحَدُهُمَا آخِذٌ بِخُطَامِ نَاقَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْآخَرُ رَافِعٌ ثَوْبَهُ، يَسْتُرُهُ مِنَ الْحَرِّ، حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ. انْتَهَى مَحَلُّ الْغَرَضِ مِنْ صَحِيحِ مُسْلِمٍ، وَهُوَ نَصٌّ صَحِيحٌ صَرِيحٌ فِي جَوَازِ اسْتِظْلَالِ الْمُحْرِمِ الرَّاكِبِ بِثَوْبٍ مَرْفُوعٍ فَوْقَهُ يَقِيهِ حَرَّ الشَّمْسِ. وَالنَّازِلُ أَحْرَى بِهَذَا الْحُكْمِ، عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ مِنَ الرَّاكِبِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ الْمَرْفُوعُ لَا يُعَارَضُ بِمَا رُوِيَ مِنْ فِعْلِ عُمَرَ وَقَوْلِ ابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مَوْقُوفًا عَلَيْهِمَا، وَلَا بِحَدِيثِ جَابِرٍ الضَّعِيفِ فِي مَنْعِ اسْتِظْلَالِ الْمُحْرِمِ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.
وَيَجُوزُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: حَمْلُ الْمُحْرِمِ زَادَهُ عَلَى رَأْسِهِ فِي خَرَجٍ أَوْ جِرَابٍ إِنْ كَانَ فَقِيرًا تَدْعُوهُ الْحَاجَةُ إِلَى ذَلِكَ، أَمَّا إِنْ كَانَ ذَلِكَ لِبُخْلِهِ بِأُجْرَةِ الْحَمْلِ، وَهُوَ غَنِيٌّ، أَوْ لِأَجْلِ تِجَارَةٍ بِالْمَحْمُولِ، فَلَا يَجُوزُ، وَتَلْزَمُ بِهِ الْفِدْيَةُ عِنْدَهُمْ، وَيَجُوزُ عِنْدَهُمْ إِبْدَالُ ثَوْبِهِ الَّذِي أَحْرَمَ فِيهِ بِثَوْبٍ آخَرَ، وَيَجُوزُ عِنْدَهُمْ بَيْعُهُ، وَلَوْ قَصَدَ بِذَلِكَ الِاسْتِرَاحَةَ مِنَ الْهَوَامِّ الَّتِي فِيهِ، إِلَّا أَنْ يَنْقُلَ الْهَوَامَّ مِنْ جَسَدِهِ، أَوْ ثَوْبِهِ الَّذِي عَلَيْهِ إِلَى الثَّوْبِ الَّذِي يُرِيدُ طَرْحَهُ فَيَكُونُ ذَلِكَ كَطَرْحِهِ لَهَا. قَالَهُ صَاحِبُ الطِّرَازِ، وَيُكْرَهُ لِلْمُحْرِمِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ غَسْلُ ثَوْبِهِ الَّذِي أَحْرَمَ فِيهِ، إِلَّا لِنَجَاسَةٍ فِيهِ، فَيَجُوزُ غَسْلُهُ بِالْمَاءِ فَقَطْ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَجُوزُ غَسْلُهُ بِالْمَاءِ أَيْضًا، لِأَجْلِ الْوَسَخِ، فَلَا يَخْتَصُّ الْجَوَازُ بِالنَّجَاسَةِ ; لِأَنَّ الْوَسَخَ مُبِيحٌ لِغَسْلِهِ بِالْمَاءِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ، وَلَا يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ عِنْدَهُمْ أَنْ يَغْسِلَ ثَوْبَ غَيْرِهِ خَوْفَ أَنْ يَقْتُلَ بِغَسْلِهِ إِيَّاهُ بَعْضَ الدَّوَابِّ الَّتِي فِي الثَّوْبِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: فَإِنْ فَعَلَ افْتَدَى. وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ فِيمَا إِذَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ الثَّوْبَ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِنَ الدَّوَابِّ، فَإِنْ عَلِمَ ذَلِكَ، فَلَا بَأْسَ بِغَسْلِهِ، وَلَا شَيْءَ فِيهِ إِنْ كَانَ ذَلِكَ لِنَجَاسَةٍ أَوْ وَسَخٍ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَيَجُوزُ عِنْدَهُمْ: أَنْ يَعْصِبَ الْمُحْرِمُ عَلَى جُرْحِهِ خِرَقًا، وَتَلْزَمُهُ الْفِدْيَةُ بِذَلِكَ. وَقَالَ التُّونُسِيُّ: وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: صَغِيرُ خِرَقِ التَّعْصِيبِ وَالرَّبْطِ كَكَبِيرِهَا، وَرَوَى مُحَمَّدٌ: رُقْعَةٌ قَدْرُ الدِّرْهَمِ كَبِيرَةٌ فِيهَا الْفِدْيَةُ. وَظَاهِرُ قَوْلِ خَلِيلٍ فِي مُخْتَصَرِهِ الْمَالِكِيِّ: أَوْ لَصَقَ خِرْقَةً كَدِرْهَمٍ - أَنَّ الْخِرْقَةَ الَّتِي هِيَ أَصْغَرُ مِنَ الدِّرْهَمِ لَا شَيْءَ فِيهَا. وَقَالَ شَارِحُهُ الْحَطَّابُ: انْظُرْ إِذَا كَانَ بِهِ جُرُوحٌ مُتَعَدِّدَةٌ، وَأَلْصَقَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا خِرْقَةً، دُونَ الدِّرْهَمِ، وَالْمَجْمُوعُ كَدِرْهَمٍ، أَوْ أَكْثَرَ. وَظَاهِرُ مَا فِي التَّوْضِيحِ، وَابْنُ الْحَاجِبِ: أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ. انْتَهَى. وَسَمِعَ ابْنُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute