أَمَّا لُبْسُ الرَّجُلِ الْقُفَّازَيْنِ، فَلَمْ يُخَالِفْ فِي مَنْعِهِ أَحَدٌ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: إِذَا طَلَى الْمُحْرِمُ رَأْسَهُ بِطِينٍ، أَوْ حِنَّاءٍ أَوْ مَرْهَمٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ رَقِيقًا لَا يَسْتُرُ فَلَا فِدْيَةَ، وَإِنْ كَانَ ثَخِينًا سَاتِرًا فَوَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا: وُجُوبُ الْفِدْيَةِ.
وَالثَّانِي: لَا تَجِبُ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُعَدُّ سَاتِرًا وَلَوْ تَوَسَّدَ وِسَادَةً، أَوْ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ، أَوِ انْغَمَسَ فِي مَاءٍ أَوِ اسْتَظَلَّ بِمَحْمَلٍ، أَوْ هَوْدَجٍ، فَذَلِكَ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: جَائِزٌ، وَلَا شَيْءَ فِيهِ، سَوَاءٌ مَسَّ الْمَحْمَلُ رَأْسَهُ أَمْ لَا، وَفِيهِ قَوْلٌ ضَعِيفٌ: أَنَّهُ إِنْ مَسَّ الْمَحْمَلُ رَأَسَهُ، وَجَبَتِ الْفِدْيَةُ.
وَضَابِطُ مَا تَجِبُ بِهِ الْفِدْيَةُ عِنْدَهُمْ هُوَ: أَنْ يَسْتُرَ مِنْ رَأْسِهِ قَدْرًا يُقْصَدُ سَتْرُهُ، لِغَرَضٍ كَشَدِّ عِصَابَةٍ وَإِلْصَاقِ لُصُوقٍ لِشَجَّةٍ وَنَحْوِهَا، وَالصَّحِيحُ عِنْدَهُمْ: أَنَّهُ إِنْ شَدَّ خَيْطًا عَلَى رَأْسِهِ لَمْ يَضُرَّهُ، وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ، وَلَوْ جُرِحَ الْمَحْرِمُ فَشَدَّ عَلَى جُرْحِهِ خِرْقَةً، فَإِنْ كَانَ الْجُرْحُ فِي غَيْرِ الرَّأْسِ فَلَا فِدْيَةَ، وَإِنْ كَانَ فِي الرَّأْسِ، لَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ وَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ.
وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ إِحْرَامَ الْمَرْأَةِ فِي وَجْهِهَا فَلَا يَجُوزُ لَهَا سَتْرُهُ بِمَا يُعَدُّ سَاتِرًا، وَلَهَا سَتْرُ وَجْهِهَا عَنِ الرِّجَالِ، وَالْأَظْهَرُ فِي ذَلِكَ: أَنْ تُسْدِلَ الثَّوْبَ عَلَى وَجْهِهَا مُتَجَافِيًا عَنْهُ لَا لَاصِقًا بِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَيَجُوزُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: أَنْ يَعْقِدَ الْإِزَارَ وَيَشُدَّ عَلَيْهِ خَيْطَانِ، وَأَنْ يَجْعَلَ لَهُ مِثْلَ الْحُجْزَةِ، وَيُدْخِلَ فِيهَا التِّكَّةَ ; لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ مَصْلَحَةِ الْإِزَارِ، لَا يَسْتَمْسِكُ إِلَّا بِنَحْوِ ذَلِكَ، وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ لَهُ جَعْلُ حُجْزَةٍ فِي الْإِزَارِ، وَإِدْخَالُ التِّكَّةِ فِيهَا ; لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَصِيرُ كَالسَّرَاوِيلِ، وَالصَّحِيحُ عِنْدَهُمُ الْأَوَّلُ، وَالْأَخِيرُ ضَعِيفٌ عِنْدَهُمْ، وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ بِمَنْعِ عَقْدِ الْإِزَارِ ضَعِيفٌ عِنْدَهُمْ. أَمَّا عَقْدُ الرِّدَاءِ فَهُوَ حَرَامٌ عِنْدَهُمْ، وَكَذَلِكَ عِنْدَهُمْ خَلُّهُ بِخِلَالٍ، وَرَبْطُ طَرَفِهِ إِلَى طَرَفِهِ الْآخَرِ بِخَيْطٍ، كُلُّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ عِنْدَهُمْ، وَفِيهِ الْفِدْيَةُ، وَفِيهِ خِلَافٌ ضَعِيفٌ عِنْدَهُمْ. وَوَجْهُ تَفْرِيقِهِمْ بَيْنَ الْإِزَارِ وَالرِّدَاءِ أَنَّ الْإِزَارَ يَحْتَاجُ إِلَى الْعَقْدِ، بِخِلَافِ الرِّدَاءِ، وَلَوْ حَمَلَ الْمُحْرِمُ عَلَى رَأْسِهِ زِنْبِيلًا، أَوْ حِمْلًا، فَفِي ذَلِكَ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ طَرِيقَانِ أَصَحُّهُمَا: أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ، وَلَا فِدْيَةَ فِيهِ ; لِأَنَّهُ لَا يَقْصِدُ بِهِ السَّتْرَ كَمَا لَا يُمْنَعُ الْمُحْدِثُ مِنْ حَمْلِ الْمُصْحَفِ فِي مَتَاعٍ، اهـ.
وَمَذْهَبُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي جَوَازِ عَقْدِ الْإِزَارِ، وَمَنْعِ عَقْدِ الرِّدَاءِ كَمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ. وَيَجُوزُ عِنْدَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَنْ يَشُدَّ فِي وَسَطِهِ مِنْدِيلًا أَوْ عِمَامَةً أَوْ حَبْلًا وَنَحْوَ ذَلِكَ، إِذَا لَمْ يَعْقِدْهُ فَإِنْ عَقَدَهُ مُنِعَ ذَلِكَ عِنْدَهُ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ إِذَا أَدْخَلَ بَعْضَ ذَلِكَ الَّذِي شَدَّ عَلَى وَسَطِهِ فِي بَعْضِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute