للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يَصُومُ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا.

الطَّرِيقُ الثَّانِيَةُ: هِيَ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ عِنْدَهُمْ أَرْبَعَةَ أَوْجُهٍ، أَصَحُّهَا أَنَّهُ كَالْحَلْقِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي التَّرَفُّهِ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ شَاةٍ، وَبَيْنَ تَقْوِيمِهَا، وَيُخْرِجُ قِيمَتَهَا طَعَامًا، وَيَصُومُ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا.

الثَّالِثُ: تَجِبُ شَاةٌ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْهَا، لَزِمَهُ الطَّعَامُ بِقِيمَتِهَا.

وَالرَّابِعُ: أَنَّهُ كَالْمُتَمَتِّعِ. انْتَهَى مِنَ النَّوَوِيِّ.

وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ الصَّحِيحَ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: أَنَّ اللُّبْسَ الْحَرَامَ تَلْزَمُ فِيهِ فِدْيَةُ الْأَذَى، وَهَذَا حَاصِلُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ، وَمَذْهَبُ أَحْمَدَ وَأَصْحَابِهِ: أَنَّ الْفِدْيَةَ تَجِبُ بِقَلِيلِ اللُّبْسِ وَكَثِيرِهِ كَمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ. وَيَجُوزُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِهِ: لِلرَّجُلِ الْمُحْرِمِ سَتْرُ وَجْهِهِ، وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ الْبَيَاضِ الَّذِي وَرَاءَ الْآذَانِ.

قَالَ النَّوَوِيُّ: وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ: يَعْنِي جَوَازَ سَتْرِ الْمُحْرِمِ وَجْهَهُ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ: لَا يَجُوزُ كَرَأْسِهِ.

قَالَ مُقَيِّدُهُ - عَفَا اللَّهُ عَنْهُ وَغَفَرَ لَهُ -: وَهَذَا الْقَوْلُ الْأَخِيرُ أَرْجَحُ عِنْدِي كَمَا تَقَدَّمَ ; لِأَنَّ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ فِي الْمُحْرِمِ الَّذِي خَرَّ مِنْ بَعِيرِهِ، فَمَاتَ: «لَا وَلَا تُخَمِّرُوا وَجْهَهُ وَلَا رَأْسَهُ» وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْعِلَّةَ كَوْنُهُ يُبْعَثُ مُلَبِّيًا.

فَدَلَّ هَذَا الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ عَلَى أَنَّ إِحْرَامَ الرَّجُلِ مَانِعٌ مِنْ سَتْرِ وَجْهِهِ، وَمَا أَوَّلَ بِهِ الشَّافِعِيَّةُ وَغَيْرُهُمُ الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ، لَيْسَ بِمُقْنِعٍ فَلَا يَجُوزُ الْعُدُولُ عَنْ ظَاهِرِ الْحَدِيثِ إِلَيْهِ، وَلَا عِبْرَةَ بِالْأَجِلَّاءِ الَّذِينَ خَالَفُوا ظَاهِرَهُ ; لِأَنَّ السُّنَّةَ أَوْلَى بِالِاتِّبَاعِ، وَالْآثَارُ الَّتِي رَوَوْهَا عَنْ عُثْمَانَ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَمَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ، لَا يُعَارَضُ بِهَا الْمَرْفُوعُ الصَّحِيحُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَالظَّاهِرُ لَنَا: أَنَّ مَا يُرْوَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيِّ وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ: مِنْ جَوَازِ لُبْسِ الْمُحْرِمَةِ الْقُفَّازَيْنِ - خِلَافُ الصَّوَابِ لِمَا قَدَّمْنَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ الثَّابِتِ فِي الصَّحِيحِ، وَفِيهِ: «وَلَا تَنْتَقِبُ الْمَرْأَةُ الْمُحْرِمَةُ، وَلَا تَلْبَسُ الْقُفَّازَيْنِ» الْحَدِيثَ. وَلَمْ يَثْبُتْ شَيْءٌ صَحِيحٌ مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ يُخَالِفُهُ، وَمَا قَالَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنَ الْحَنَابِلَةِ وَغَيْرِهِمْ، مِنَ النَّهْيِ عَنْ لُبْسِ الْمَرْأَةِ الْخُلْخَالَ وَالسُّوَارَ خِلَافُ الصَّوَابِ، وَالظَّاهِرُ: جَوَازُ ذَلِكَ: وَلَا دَلِيلَ يَمْنَعُ مِنْهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>