قَالَهُ النَّوَوِيُّ، ثُمَّ قَالَ: قَالَ أَصْحَابُنَا: وَلَهُ أَنْ يَتَقَلَّدَ الْمُصْحَفَ وَحَمَائِلَ السَّيْفِ، وَأَنْ يَشُدَّ الْهِمْيَانَ وَالْمِنْطَقَةَ فِي وَسَطِهِ، وَيَلْبَسَ الْخَاتَمَ، وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ هَذَا كُلِّهِ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي الْمِنْطَقَةِ وَالْهِمْيَانِ مَذْهَبُنَا، وَبِهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ كَافَّةً، إِلَّا ابْنَ عُمَرَ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ فَكَرِهَهُمَا، وَبِهِ قَالَ نَافِعٌ مَوْلَاهُ.
قَالَ مُقَيِّدُهُ - عَفَا اللَّهُ عَنْهُ وَغَفَرَ لَهُ -: مَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ كَوْنِ جَوَازِ شَدِّ الْمِنْطَقَةِ وَالْهِمْيَانِ فِي وَسَطِهِ، هُوَ قَوْلُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً، إِلَّا ابْنَ عُمَرَ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ - فِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ مَذْهَبَ مَالِكٍ، وَأَصْحَابِهِ: مَنْعُ شَدِّ الْمِنْطَقَةِ وَالْهِمْيَانِ، فَوْقَ الْإِزَارِ مُطْلَقًا، وَتَجِبُ بِهِ الْفِدْيَةُ عِنْدَهُمْ. أَمَّا شَدُّ الْمِنْطَقَةِ مُبَاشِرَةً لِلْجِلْدِ تَحْتَ الْإِزَارِ، فَهُوَ جَائِزٌ عِنْدَهُمْ، بِشَرْطِ كَوْنِهِ يُرِيدُ بِذَلِكَ حِفْظَ نَفَقَتِهِ، فَلَا يَجُوزُ إِلَّا تَحْتَ الْإِزَارِ، لِضَرُورَةِ حِفْظِ النَّفَقَةِ خَاصَّةً، وَإِلَّا فَتَجِبُ الْفِدْيَةُ، وَشَدُّ الْمِنْطَقَةِ لِغَيْرِ النَّفَقَةِ تَجِبُ بِهِ الْفِدْيَةُ أَيْضًا، عِنْدَ أَحْمَدَ. وَالْهِمْيَانُ قَرِيبٌ مِمَّا تُسَمِّيهِ الْعَامَّةُ الْيَوْمَ: بِالْكَمَرِ.
قَالَ الشَّيْخُ الْحَطَّابُ فِي كَلَامِهِ عَلَى قَوْلِ خَلِيلٍ فِي مُخْتَصَرِهِ عَاطِفًا عَلَى مَا يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ: وَشَدُّ مِنْطَقَةٍ لِنَفَقَتِهِ عَلَى جِلْدِهِ. قَالَ ابْنُ فَرْحُونَ فِي «شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ» : الْمِنْطَقَةُ: الْهِمْيَانُ، وَهُوَ مِثْلُ الْكِيسِ تُجْعَلُ فِيهِ الدَّرَاهِمُ، اهـ.
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِشَدِّ الْمِنْطَقَةِ لِحِفْظِ النَّفَقَةِ، وَمَا فِي «الْمُغْنِي» مَنْ رَفَعَ ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ نَظَرٌ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَالْمَرْفُوعُ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ وَفِي إِسْنَادِهِ يُوسُفُ بْنُ خَالِدٍ السَّمْتِيُّ، وَهُوَ ضَعِيفٌ. قَالَهُ فِي: «مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ» ، وَقَالَ فِي: «التَّقْرِيبِ» فِي يُوسُفَ الْمَذْكُورِ: تَرَكُوهُ، وَكَذَّبُوهُ.
وَإِذَا عَلِمْتَ مِمَّا مَرَّ أَنَّ اللُّبْسَ الْحَرَامَ عَلَى الْمُحْرِمِ، تَجِبُ بِهِ الْفِدْيَةُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ عِنْدَهُمْ بَيْنَ اللَّحْظَةِ وَالزَّمَنِ الطَّوِيلِ، فَاعْلَمْ أَنَّ الْأَصَحَّ عِنْدَهُمْ، وَبِهِ جَزَمَ الْأَكْثَرُونَ: أَنَّ اللَّازِمَ فِي ذَلِكَ هُوَ فِدْيَةُ الْأَذَى الْمَذْكُورَةُ فِي آيَةِ الْفِدْيَةِ. وَدَلِيلُهُمُ الْقِيَاسُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَلَهُمْ طَرِيقَانِ غَيْرَ هَذَا فِي الْمَسْأَلَةِ إِحْدَاهُمَا، وَذَكَرَهَا أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ فِي الْإِيضَاحِ، وَآخَرُونَ مِنَ الْعِرَاقِيِّينَ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ كَالْمُتَمَتِّعِ، فَيَلْزَمُهُ مَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ عَشَرَةِ أَيَّامٍ، كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْهَدْيُ فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ قَوَّمَهُ دَرَاهِمَ، وَقَوَّمَ الدَّرَاهِمَ طَعَامًا، ثُمَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute